النظافة من الايمان يا شاطرين , امشو على الرصيف ، اشربوا الحليب ، اسمعوا كلام ماما وبابا، حبو مدرستكم ، اصحو بكير وناموا بكير ، فرشوا سنانكم ، ما تفتحوا الباب لحدا ، اوعوا تحكوا مع حدا غريب، ما تقعدوا قريب من التلفزيون ؟ هل مللتم ؟ هل اكمل ؟ اذا اردتم مني ان اكمل على هذا المنوال فلن انتهي من سرد الحكم والمواعظ للاطفال والطلاب ، فهذه متعتنا الوحيدة وفخرنا العظيم نحن البالغين ان نوجه اطفالنا لسلك الطريق الذي نراه نحن صحيح . نعم كل ما نراه نحن “ البالغين “ هو صحيح ومنزه عن الخطأ ، يا ماما وبابا نحن نملك خبرة بالحياة يجب ان تستفيدو منها ، وتذكروا دائما ان من لا يسمع كلام الماما بتطلعو الغولة باليل. لقد قمت باعداد ورقة بحثية حول العلاقة ما بين الاستشراق والقصص القصيرة الخيالية والعلمية في مناهج اللغة العربية الفلسطينية للمرحلة الابتدائية من الصف الاول للصف السادس ضمن مشروع التخرج . ومن خلال الدراسة ، لا يمكنني انكار الجهود والاصلاحات المستمرة التي قام بها فريق المناهج على الكتب المدرسية كما لا يمكن ايضا انكار وجود العديد من القيم الثقافية التي ترسخ الهوية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني في بعض القصص في كتاب اللغة العربية، كما ان العديد من القصص تناولت ايضا موضوع صورة المرأة بالكتب المدرسية بصورة مشرقة حيث وجدنا في القصص المرأة العاملة , والطبيبة ، والمهندسة، وربة المنزل، والمعلمة . ولكن القضية التي سأطرحها هنا لا تتعلق بتلك الصورة المشرقة ولا بتلك القيم المفرحة. المشكلة التي تعرضت لها في دراستي هو هذا الكم الهائل من التهميش لعقل الطفل الفلسطيني والعربي على حد سواء على اعتبار اننا من انصار القومية. فالطفل الفلسطيني صور في العديد من هذه القصص على نمطين ، النمط الاول هو اما ان يكون ذلك الطفل المطيع المثالي ، المؤدب الذي يسمع كلام والديه ومعلميه ، و الذي يحترم ممتلكات المدرسة والمجتمع، الذي يدرس جيدا، يأكل اكلا صحيا ، حتى انه يستخدم الحاسوب لاغراض تعليمية فقط. اما الصورة الثانية فهو ذلك الطفل الجاهل ، الذي يرتكب الحماقات و يضرب الحيونات، او يقطع الشارع بصورة غير امنة، او يخرب البيئة ، وتلك الصورة للطفل غالبا ما ترفقها صورة البالغ التنويري سواء كان المعلم او الام او الاب لارشاده وتوجيهه لسلك الطريق الصحيح. اذا كانت كتب اللغة العربية مليئة بمثل هذه القيم التي تشجع على السلوك “ الجيد “ لماذا اذن نرى اطفالنا في بعد عن هذه السلوكيات؟ لماذا اول ما يتعلمه الطفل الفلسطيني هو كلمة شيكل وحمار؟ لماذا افتقرت هذه القصص لصورة البالغ “ المخطىء” لماذا صور المعلم و الاب والام دائما بانهم الملائكة المنزلين على الارض المعصومين عن الخطىء والمليئيين بالمثل والقيم ؟ اوليس هذا المعلم والام والاب هم نفس الشخوص الذين قد نراهم في الحياة اليومية يرمون القمامة بجانب حاوية القمامة ؟ اوليسوا انفسهم الذين نراهم يتجاوزن صف السيارات على حاجر قلنديا ؟ اوليس هم نفسهم الذين يغذون عقول اطفالهم بالفول والحمص “وكول يما خليك تكبر” ولا يغذون عقول اطفالهم بالعلم , بالروايات, بالقصص وبالخيال؟! بناء على نظرية الاستشراق لادوارد سعيد والتي يجسد فيها العلاقة ما بين الشرق والغرب كعلاقة مبينة دائما على السلطة والمعرفة ، فالغرب يعتبر نفسه هو المتفوق علميا وفكريا وتكنولوجيا هو باختصار الرجل الابيض او سوبر مان . اما الشرق فهو مجازا المرأة الضعيفة ، الجاهلة علميا وتكنولوجيا الغير قادرة على تعريف نفسها وعلى تحديد هويتها. بناءا من هذا المنطلق يخول الغرب نفسه بموقع المحامي والمفكر والاديب الذي يحق له ان يتكلم عن الشرق باعتبار انه هو القادر على تحديد هوية وتاريخ وثقافة الشرق لانه يعتبر نفسه يملك معلومات ومعارف عن الشرق اكثر من معرفة الشرق لنفسه. ولكي يبرهن الغرب لنفسه هذا التفوق نجده انتج الادبيات والمراجع والارساليات والبحوث حول الشرق ، هذه البحوث بالطبع تناولت صورة الشرق كيفما يراه المستشرق نفسه بناءا على الصورة التي يود ان يرى الشرق فيها. لذلك نرى كيف تم استخدام مصطلح “ عقلية الشرقي “ وكأن الشرق هو جزء واحد متشابه يفتقر للختلاف وفي هذا المصطلح تعميم اعمى لكل التوجهات والرؤى الاختلافات الموجود في الشرق. في القصص القصيرة التي تناولتها فان صورة البالغ سواء المعلم ، الاب، الام ، الشيخ، وحتى واضعي المناهج انفسهم هي مجازا مثل صورة المستشرق ، فكلاهما متفوقين، متعلمين، مفكرين، متحضرين، معصومون عن الخطىء، اما صورة الاطفال في هذه القصص او الطلاب الذين يتعلمون هذه القصص هم مجازا “ الشرق” فهم جميعا ضعفاء، جهلة، متخلفين اجتماعيا وثقافيا وتكنولوجيا، غير متحضرين ، متوحشين، وبحاجة دائما الى ارشادهم الى الطريق الصحيح ، ذلك الطريق الذي سيقودهم الى النور. والخروج من غياهيب التخلف والرجعية. بناء على هذه النظرية فان عقل الطفل الفلسطيني يتم استعماره من قبل فئات معينة ، ولان هذه الجماعة تعتبر انها تملك معلمومات عن “ الطفولة “ اكثر من الاطفال انفسهم فانها تقوم بانتاج قصص خيالية وغير خيالية يصور فيها الاطفال بناءا على النظرة التي تريد هذه الفئة ان ترى فيها الاطفال ، بالاضافة الى التحكم بالصورة التي يجب على الاطفال ان يروا فيها انفسهم ، “ البنت او الولد المطيع المؤدب الذي يسمع دائما الكلام والذي يتبع القوانين والانظمة “ . بطريقة مباشرة او غير مباشرة نحن ننتج بهذه الطريقة اطفال مستعمرين ذهنيا ، مغيبية عقولهم عن تلقي ما هو مختلف وجديد ، خاضعين دوما للقوانين والانظمة ، يفتقرون لملكة النقد والتحليل ، كيف لا نتوقع ان يكبر هذا الجيل على مبدا “ الحيط والسترة “ ونحن لم نوفر له مجالا ليسأل او يحاور او ينتقد ؟ ونحن كل ما وفرنا له هو “ اخرج العبرة الاخلاقية من الدرس؟ او اكتب موضوعا انشائيا حول الطالب المثالي ؟ بالنهاية ، ان المؤسسة التعليمية في فلسطين بكافة اشكالها بحاجة الى “ نفضة “ جماعية يكون الطالب مشاركا فيها قبل المعلم والمسؤليين التربويين انفسهم، نحن بحاجة الى ان نزيل عن وجوهنا اقنعة الخوف لنحرر عقول الاطفال وعقولنا من “ بعبع” السلطة والانظمة والايديولوجيات القمعية. ان موضوع الاخلاق والقيم هو موضوع لا اقلل من اهميتيه ولكن الا يتعلم الطفل الاخلاق ( بالمناسبة والتي هي نسبية) من الاهل من الام والاب والاخوة والعم والخالة والخالة . فانتم اعزائي القراء لا يمكنكم انكار ذلك الكم الهائل من التعليمات حول الاخلاق وما يجب فعله وما لا يجب فعله الذي تلقفتوه من الجميع حتى شيخ الجامع والجارة ام حسن والجد والجدة ! الاطفال يمكنهم تعلم الاخلاق والقيم من الحياة نفسها من تجاربهم اليومية مع زملائهم واهلهم واخوانهم الا يكفيهم ذلك هل يجب علينا ان نغدق كتب اللغة العربية ايضا بفوبيا الاخلاق والقيم ؟ هل نخشى ان يكبر الطفل الفلسطيني معارض للنظام الحاكم مثلا ؟ هل نخشى ان يكبر هذا الطفل ليغدوا ناقدا سياسيا او اجتماعيا ؟ اذا كان هذا هو الخوف اذن اهنئكم لتبقوا كتب اللغة العربية كما هي خالية من الابداع والنقد والخيال
لبنى طه - رسامة و خبيرة في مجال أدب الأطفال