وكانت حقاً مهزلة القدر أن يعتبر نيكسون، وهو أقدر رئيس أمريكي بعد مونرو، وهو بشجاعته أنهى مهزلة فيثنام، مهزلة أن يعتبر متسبباً في تراجع أمريكا ابتداء بعقدة فيثنام، وانتهاء بفضيحة ووترغيت، أصاب صانعي القرار بمرض وبيل: الشعور بالإحباط والهزيمة وفقدان للثقة بعدم القدرة على اتخاذ قرارات صعبة.
والرئيس كارتر وإن قدم للسياسة الأمريكية (نجاح) كمب ديفيد، وسلخ مصر عن المعسكر العربي، بيد أنه في نظر بعض صقور السياسة الأمريكية اعتبر متراجعاً ومتخاذلاً وغير ممسك بمفردات الموقف، في القضية الإيرانية ، ومفاد الأمر أن وجهتا نظر كانتا تتصارعان في أروقة القرار الأمريكي: الأولى تنص على إنقاذ نظام الشاه، وفي طيات هذا القرار إرغامة القيام بإصلاحات وبالسماح لليبراليين وبرلمانيين بدور أكبر في الحياة السياسية الإيرانية، ووجهة النظر الثانية تقول أن متغيرات الموقف في وسط آسيا تنبأ باحتمالات تدهور الموقف، ويومها كان السوفيات في أفغانستان، وقد بدا أنهم على مرمى حجر من المياه الدافئة، ذلك الحلم الروسي الكبير والقديم.
الرئيس جيمي كارتر توصل لقناعة أن أفضل سد أمام الشيوعية الزاحفة هو إطلاق العنان لتيار التطرف الديني، وبهذا المعنى سعت الأجهزة الأمريكية لتنصيب البابا الحالي البولوني على رأس الفاتيكان، وكانت الأزمة البولونية في ذروتها ! وكانت الكنيسة البولونية الكاثوليكية اللاعب الرئيسي في مناهضة النظام البولوني الشيوعي.
وحركة أخرى .....
سعت الولايات المتحدة لمنح القس ديزموند توتو (من جنوب أفريقيا) جائزة نوبل للسلام وأن تخلق منه شخصية دولية كبيرة، وكان النظام العنصري الجنوب إفريقي يترنح ويكاد يسقط إعياء بعد أن فشلت كافة المحاولات الطبية التجميلية لإنقاذه، فقد كان سائراً صوب حتفه لا محالة، وكان هم أمريكا ينصبُّ على إبعاد احتمال وصول نيلسون مانديلا الشيوعي ونائبه تومبيكي الدارس في كلية القادة الشيوعيين في موسكو !
ويكتب نيكسون في مؤلفه الممتاز: "هكذا فقدنا السلام" ، أن تشجيع التيارات الدينية هو خير معين لنا للوقوف في وجه الشيوعية ، وأراء نيكسون ليست عشوائية، أو بالأحرى ليست بعيدة عن خنادق صناع القرارات الاستراتيجية الأمريكية.
ولكن الرئيس الأمريكي كان يعاني ضعفاً في استيعاب البراغماتية، تردد، وتلك من سماته، وتعالت شكاوى القادة الاستخباريون بالدرجة الرئيسية ثم العسكريون والدبلوماسيون، وبدا وكأن رأس القرار الأمريكي لا يدرك أي القرارات هي الأصوب.
كان بقاء الشاه ونظامه كما هو، وكان الشاه يسخر بغباء من أي فكرة إصلاح معولاً على جهاز الأمن الإيراني السافاك وقطعات النخبة في الجيش الإيراني لقمع الحركة الشعبية ، وتناهى إلى سمع المخابرات الأمريكية أن قادة الانتفاضة التي تطورت إلى ثورة، هم الشيوعيون الإيرانيون(تودة) ونقابات العمال وحركات يسارية ، وبدا أن رعب أفغانستان على الأبواب، وكان ذلك كافياً لأن يفقد صانعو القرار الأمريكي رشدهم، أو قل بدقة أكبر أن يبدو عليهم التردد والارتباك والحيرة بين خيارات عديدة:
الأول: إقناع أو أرغام الشاه على القيام بإصلاحات كبيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر الإتيان بالقائد الإصلاحي الكبير د. شاهبور بختيار كرئيس للوزراء ، وإدخال طواقم من الليبراليين في أجهزة الحكم.
الثاني: القبول بمقترحات العسكريين الإيرانيين من قادة الجيش والاستخبارات على التدخل وبسرعة قبل فوات الأوان، بإبعاد الشاه مؤقتاً، وإقامة نظام عسكري، يعيد للدولة الاستقرار ، ويقمع حركات المعارضة، وكان التيار الديني لما يزل الأصغر فيها.
الثالث: وهو خيار كان ينمو كلما تأخر القرار الأمريكي الحاسم ، والأمريكان فهموها، كما هي مكتوبة في الخطط المقدمة لقادة القرار على الورق ، بدون أحاسيس وإدراك لنكهة الأشياء والمكونات، والبدء بالخيارات حسب التسلسل والأفضلية ، ولكنهم عندما قرروا الانتقال إلى الخيار الثاني كان الوقت قد تأخر، والقائد العسكري الأمريكي الموفد لمتابعة الأزمة والذي افتتح مقره في السفارة الأمريكية بطهران، جاء من بروكسل ، وهو ضابط في سلاح الطيران لا يمتلك خبرة استخبارية أو سياسية عميقة، والقصر الأبيض لا يمتلك القدرة على الإجابة على الأسئلة الحاسمة، والوقت يمضي ...!
ما لبث أن قادة الجيش الإيراني بدءوا يترددون حيال هيجان الجماهير ، وهنا نزل التيار الديني والملالي ليقودوا الأغلبية الصامتة، وهي أغلبية غير مسيسة، يسهل انقيادها من قبل الملالي، وكانت التطورات في الميدان سريعة الإيقاع حافلة بالمتغيرات، مقابل حيرة، وتردد، وارتباك وفقدان الرأس القائد التاريخي لمرحلة بدت أنها تاريخية بكل المقاييس في إيران، ومؤشرات تدل على أن عرش الطاووس يواجه مشاكل جدية.
كانت هناك أوساط أمريكية تروج لفكرة مفادها: أي حل يبعد شبح الشيوعية والنموذج الأفغاني له الأولوية، ويقع على رأس جدول الاهتمامات ، والنظام العسكري قد يكون فاسداً وديكتاتورياً فيشعل نيران ثورة أكثر تطرفاً.
هكذا حسم مصير النظام الملكي الشاهنشاهي في أروقة القصر الأبيض والمخابرات الأمريكية.
دعوا النظام يسقط ....
هكذا كانت تعليمات القصر الأبيض، أتركوه لمصيره، مع ما ينطوي عليه هذا القرار من مجازفة، فقد بدا أنه كل ما يمكن اتخاذه في تلك المرحلة، وهكذا جاء الخميني إلى طهران على متن طائرة فرنسية تحف به طائرات حربية أمريكية استقبلت الطائرة بعد دخولها المجال الجوي التركي وأوصلتها إلى مطار طهران بقرار صادر من أرفع المستويات، فقد كانت الدوائر الاستخبارية تخشى أن تقلع طائرة إيرانية موالية للشاه أو للقادة العسكريين الإيرانيين، أو حتى طيار إيراني يجمح به خياله أن يغير مسار التاريخ بإسقاط طائرة الخميني!
والخميني الشيخ الطاعن في السن، كان قد عانى من الإبعاد مراراً، وعانى مرارة المهجر، تواقاً إلى تفجير ثورة الحقد الذي يعتمل في قلبه، فأوقع مجازر طهران ابتدأها بأنصار النظام السابق، ثم بالأقليات التي قدرت أنها ستنال حقوقها، أو جزء من حقوقها، ولكنها نالت رصاص المجازر والشنق على أعمدة الكهرباء ، ولم ينته الميل لسفك الدماء، إذ امتدت إلى المشاركين بالثورة، فأرغموا رجلاً قضى معظم حياته في سجون الشاه هو نورالدين كيانوري السكرتير العام للحزب الشيوعي الإيراني، وهو حزب لم يكف عن خوض النضال دون هوادة ضد نظام الشاه، فقدم مئات وربما ألوف الضحايا من مناضليه، أرغموه على الظهور على شاشات التلفاز والاعتراف بالتجسس ! ولم تتوقف مسيرة المجازر، فامتدت إلى حلفاء الثورة، والمشاركين في الحرب ضد العراق: حركة مجاهدي خلق.
الخميني لم ينس أن يضرب عصفورين بحجر: من جهة أن يساهم في إفشال سعي الرئيس كارتر لرئاسة ثانية، ومن جهة أخرى أن يرد التحية بالشكر والعرفان لصقور القرار الاستراتيجي الأمريكي، بإزاحة كارتر الحمامة، فنحن بحاجة لصقر غاشم لا يجيد التفكير، وأن يكون بحجم ليس أقل من رونالد ريغان !
وهكذا قضي الأمر..
وزاد بالطين بله فشل غير مفهوم لعملية عسكرية مسرحية في صحراء لوط بإيران لإنقاذ رهائن السفارة، إن دلت على شيء، فهي تدل على سوء تخطيط وارتجال وارتباك، كأن جهة ما لم تكن قد حسمت أمرها بعزم ... أو كأن هناك من لم يكن يريد للعملية أن تنجح فحجبوا عنها أسباب النجاح، وبفشل العملية، هبطت معه شعبية كارتر إلى الحضيض، وأضحت رئاسته مسألة أيام ، حسمت بهزيمته في الانتخابات لصالح رونالد ريغن.
ورونالد ريغن، ممثل سينما مغمور، لكنه يقال كان إلى جانب ضعف في قدراته بصفة عامة، كان لطيفاً ولماحاً، محباً للنكتة وميالاً إلى مجالسة الفنانين من أصدقائه، خصال حملته إلى منصب حاكم ولاية كاليفورنيا، ولاية السينما (ويتولاها الآن أرنولد شفارتسنيجر وهو ممثل سينمائي أيضاً) ولكن هذا الرئيس اللطيف تولى معالجة ملف خطير ، رعاه الصقور في الإدارة والمخابرات يتلخص: إعادة الثقة وإزالة عقدة فيتنام، ولم يكن أمامهم من سبيل سوى إطلاق عملية سباق التسلح إلى مدياتها الجنونية والمرعبة في آن واحد، وكان هذا يخدم سياستين في آن واحد:
الأولى: خدمة احتكارات صنع السلاح، وهي احتكارات عملاقة تمسك بمفاصل الصناعة والاقتصاد الأمريكي، بل ليس من الصدفة أن تتركز هذه الصناعات في ولاية السينما، كاليفورنيا التي حملت ريغن إلى القصر الأبيض.
الثانية: وهو الهدف الاستراتيجي، ويتمثل بإنهاك الاتحاد السوفيتي اقتصاديا وعسكرياً في آن واحد ، وكانت نفقات التسلح تلتهم الزيادات في الدخل القومي للاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، ولا تبقي شيئاً يذكر للتراكم في اقتصادياتها ، وهو أمر كان من العسير أن يحتمله الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ، ولعلها مفارقة أخرى أن تسقط قوة عظمى عملاقة، ولكن ليس في ميادين القتال، بل على جبهة العجز الاقتصادي، وكان ذلك من النتائج المباشرة لسباق التسلح، أما مشروع حرب النجوم فكانت بمثابة رصاصة الرحمة على النظام الدولي القديم.
الخميني قدم هذه الخدمة العظيمة لريغان، أما ضجيج الفرس فلا يغش سوى السذج بأن الحرب العراقية/ الإيرانية هي من تصميم وتنفيذ الأمريكان، ولو كان الأمر كذلك لما استغرقت 8 سنوات كاملة ، ولكن الأمريكان كانوا مسرورين بالحرب ، فالحرب تطحن أعداء لهم في العراق يودون تحجيمه، وأصدقاءهم الجدد في إيران، وكان الواجب المسند لهم هو مداعبة خاصرة الاتحاد السوفيتي الرخوة، وليس تصدير الثورات، ولكنهم مع ذلك، لم يكونوا ليقبلوا بهزيمتهم، فكانوا يبيعون لهم السلاح سراً أو عبر دول أخرى، أو عبر تجار السلاح.
وكانت نشرات مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية (منها نشرة الدراسات الاستراتيجية الصادرة في لندن) قد رصدت مبيعات طائرات فانتوم، وهي الطائرة الرئيسية في السلاح الجوي الإيراني، من دول عديدة منها هولندة، وعبر مكاتب تجارة السلاح في لندن ، هذا عدا صفقة السلاح الكبيرة إيران ـ كونترا وهي تجارة قذرة ساهم فيها الإيرانيون بجدارة، سيذكرها لهم التاريخ، وكذلك الزيارات السرية والعلنية لمسئولين في الإدارة الأمريكية لطهران، برفقة صفقات أسلحة ذات طبيعة حساسة.
يحلو للإيرانيين الادعاء بأن الأمريكان ساعدوا العراقيين في استعادة شبه جزيرة الفاو، والأمر ليس بحاجة لمساعدات استخبارية، فالعراق كان مصمماً على استعادتها، مهما كلف من تضحيات، ولكن من قدم الصور الجوية (الأقمار الفضائية) للإيرانيين ودلهم على الثغرات في جبهة الفاو ؟ حيث فعلها الأمريكان تماماً عندما قدموا هذه المعلومات للكيان الصهيوني في ثغرة الدفرسوار ! وكان الجيش العراقي يقاتل بأسلحة سوفيتية، فيما كان الإيرانيون حتى نهاية الحرب يقاتلون بأسلحة أمريكية، ولله في خلقه شؤون !
ولم يكن الأمريكان قد اهتدوا إلى ما يمكن أن يؤديه قادة بلاد فارس إلا بعد انقضاء مرحلة الاتحاد السوفيتي، وحلت مرحلة إسناد الدور الجديد ليلعبوا بدور مخلب القط أو ملقط النار، فمن يستطيع أن يلعب دور قنبلة الدخان سوى نظام غير نظام الملالي .. يتبعون من مذهب التقية، براغماتية الشرق، فلا يدعك تعرف الشيطان الرجيم من ملائكة الرحمة ..
أما صفحة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وذلك تناقض ما زال يغشى عدد من طيبي القلب وأصحاب النوايا الحسنة، وربما من القابضين رشوة على موقفهم، وما علينا سوى إنارة الطريق:
سادساً : مقاييس ملائية :
قال تعالى " فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه " ( 77 ـ التوبة) من هو المنافق في الإسلام ؟
أربع من كن فيه كان منافقاً، أو من كانت فيه خصلة من أربعة، كانت فيه خصلة النفاق حتى يدعها:
<LI class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN-LEFT: 0cm; DIRECTION: rtl; MARGIN-RIGHT: 36pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-list: l1 level1 lfo2; tab-stops: list 36.0pt">إذا حدث كذب ...
<LI class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN-LEFT: 0cm; DIRECTION: rtl; MARGIN-RIGHT: 36pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-list: l1 level1 lfo2; tab-stops: list 36.0pt">وإذا وعد أخلف ...
<LI class=MsoNormal dir=rtl style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN-LEFT: 0cm; DIRECTION: rtl; MARGIN-RIGHT: 36pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-list: l1 level1 lfo2; tab-stops: list 36.0pt">وإذا عاهد غدر ...
وإذا خاصم فجر ...
ترى أي من هذه الخصال الأربع غير متوفرة بالفرس المعادين للعرب والإسلام ؟
أم ترى هناك فرساً غير الكارهين للعرب ، نعم هناك فرس آمنوا بالإسلام بصدق ويحسنون إسلامهم ويتخلقون بأخلاق الإسلام، لكن لا صوت لهم، فالتيار الصفوي يهيمن على المؤسسة الدينية والسياسية معاً، يتميز بالشراسة، وبالبغض والكراهية، وهي صفات تسحب صاحبها إلى منحدرات ومهاوي البخل والجبن، يبطن أكثر مما يظهر، يتردد في عمل الخير ألف مرة، ولا يتردد ولا مرة في إتيان الشر.
يقود الغل والتطرف والحقد إلى مواقع ومواقف، يعمي الحقد تبيان ظلامها، والجبن إلى الاستعانة حتى بالشياطين، والبغض إلى قبول حراماً يحلل الكراهية والتطرف قبوله، وقد مارست مثل هذه السياسات على مدى تاريخهم، القديم والوسيط والحديث.
بيد أننا حيال قضية لا تزال أستارا واهية تحجب الحقائق عن الرؤية الواضحة الجلية ، وإذا كنا في إطار استبيان وتحليل اتجاهات السياسة الإيرانية، فنحن مضطرون للاستعانة بالأدلة العقلية والمادية للتوصل ما نجزم عليه ، فحتى إلى ما قبل أعوام قليلة كان الوصول إلى إلقاء الأضواء على الحلف الغير معلن: واشنطن ـ تل أبيب ـ طهران .
أعتقد بعض سامعينا أننا نعزف على آلات الطائفية المقيتة، ولكن يشفع لنا أننا لا نعير هذا الجانب اهتماماً ولو بفلس واحد ! بل نحن نقبل في صفوفنا مناضلين من أديان من غير الإسلام، وحتى يزيديون وصابئة إلى جانب مسيحيين، نحن نعتز بديننا كله، وبشعبنا كله وبمكوناتنا كلها ، إذن فلسنا نحن من يتهم بالطائفية، والواقع الموضوعي يشهد أن بلاد العرب والإسلام كان ملجاً لكل مضطهد في دينه وقوميته.
ترى ما الذي دفع الإيرانيين إلى هذا الحلف القذر ؟
هناك مرتكزات أخلاقية ونفسية واجتماعية، ثم هناك المصالح السياسية الاستراتيجية ، وهذه المرتكزات برأينا لا ينبغي أن تدفع الإيرانيين إلى إقامة هذا الحلف، بل إن مصلحة إيران هو في عمل كل ما من شأنه على التقارب مع الأقطار العربية وصولاً إلى أفضل العلاقات على كافة الصعد، هذا إن شئنا قراءة موضوعية بعيدة عن العواطف، بل على أساس الأدلة المادية والعقلية ، ولكن كيف والقيادات الإيرانية محكومة بعقدة رهيبة لا يجدون وسيلة للتخلص منها وهي كره العرب والإسلام، عقدة وظفوا من أجلها كافة طاقاتهم وجماع نفسهم في توليفة نادرة وتشابك غريب من لقاء المرتكزات الأخلاقية والنفسية الاجتماعية والمصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
لقد أوضحنا بما لا يقبل اللبس والالتباس، جذر العلاقة الأمريكية الإيرانية منذ عهد الشاه، وآيات الله، ربما تتعرض للشكوك، ربما يعتبر أحد الأطراف الطرف الآخر مقصراً، وهذا أمر جائز ووارد في العلاقات بين الحلفاء، فحتى الولايات المتحدة تشكو إحراج الكيان الصهيوني لها أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، إحراجاً كلفها حتى الآن عشرات المرات من اللجوء إلى حق النقض الفيتو، وتعاتبها علناً عتاباً لطيفاً مهذباً، ولكن الصهاينة يجيدون لعبة التابع، ودلال الحليف من غير موقع التكافؤ، ولديهم خبرة طويلة في هذا المجال تمتد منذ تأسيس دويلتهم اللقيطة، بل وحتى قبلها، ويرتبط وجود كيانهم بإجادة لعب هذا الدور، وقد يخسرون وجودهم إن هم أساءوا لعب هذه اللعبة الحساسة، فالتاريخ شهد آلاف السنين عدم وجود هذا الكيان، ووجودهم غير ضروري لأحد عدا أمريكا بالدرجة الأولى، ثم الغرب بصفة عامة، ولكنهم سيتخلون يوماً عنها، وفق حسابات العقل والمنطق ، والكيان الصهيوني وإن تدلل على الولايات المتحدة فإن دلالها محسوب بالغرامات والمليمترات، وإلا الكارثة.
أما إيران، فهي موجودة دائماً في التاريخ، وإن بصيغ وحالات متفاوتة، والحاجة متبادلة بين إيران والغرب وأميركا تحديداً، كان بالأمس وهو اليوم وسيبقى في المستقبل ، ولكن القيادات الإيرانية، الحالية والسابقة، غالباً ما قرأت التقويم بالمقلوب بحيلة المغلوب ، يبالغون كعادتهم بقواهم وأهميتهم وضرورتهم، ويلعبون خارج النص، بأكثر مما يحتمل دورهم، وأحياناً وتلك يطبقون خدعة سياسية مفضوحة، إذ يتوزع أعضاء القيادة السياسية في التقرب من هذه الكتلة أو تلك، أو تمثيل هذا الاتجاه أو ذاك، فيحسب "س" على التيار الإصلاحي و"ص" على التيار المتشدد، وآخر على أنه قريب من الغرب وآخر ليبرالي، وهلم جرا...
ومن غير المستبعد أن تكون هناك جيوب تابعة لهذا الطرف أو ذاك في القيادة الإيرانية، فإيران كانت عش دبابير أمريكي صهيوني يلعب فيها الموساد لعباً أيام الشاه ، ومن المستبعد تماماً أن تكون هذه الأعشاش قد اختفت، بل من المرجح أن تكون قد تضاعفت ، وللعلاقة بين إيران والكيان الصهيوني تاريخ طويل، سنركز على مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية.