وناكف الفرس الأفغان زمناً طويلاً ، وحاول الفرس عبثاً مد خيوطهم في تلك الديار، والأفغان شعب باسل، عنيد، لا يسلمون بالأمر الواقع بسهولة، تساعدهم طبيعة بلادهم ذات الطبيعة الجبلية القاسية، والطقس القاري الصعب ، وأتعبوا كل من حاول دخول بلادهم عنوة، والصفيون حاولوا اقتحام تلك القلعة ووصلوا حتى مدينة هراة ، ولكن هذه السياسة التوسعية قادت إلى سلسلة حروب ومتاعب، بينهم وبين الأفغان ، ومن تلك احتلال الأفغان لأجزاء واسعة من إيران حتى إنهم احتلوا أصفهان 1722 التي كانت عاصمة لإيران عندما نقل عباس الأول العاصمة من تبريز إليها عام 1593.
أما إسماعيل الثاني 1576 ـ 1578، ثالث ملوك الصفويين (كان الملك طهماسب الأول ثاني الملوك الصفويين)، فقد كان والده قد وضعه في السجن لمدة عشرين عاماً لما لمسه فيه من فظاظة وخشونة وقسوة تبلغ حد الوحشية ، ثم ارتبط اسم هذا الحاكم بارتكاب المجازر الدموية، فقد فتك هذا الطاغية بأخوته وعائلته وكل من كان يشك به من رجال دولته ، كما كان مدمناً على الخمر، فاسقاً وتروى عنه في ذلك قصص خيالية.
بيد أن هذا الطاغية لقى مصرعه اغتيالاً، عقاباً إلهياً على جرائمه، ولم يكن من أشقائه يصلح للحكم سوى أخ ضرير كان قد سلم من القتل، فنصب محمد خدابندة ملكاُ رغم أنه فاقد الأهلية الشرعية(كونه ضريراً). ولا تنتهي قصص ملوك الصفويين والفرس دون أهوال ، إذ برز إلى السطح قائد إيراني، تصدى على صدر الأحداث ، فكيف يبرز قائد فارسي جديد ؟
ينال القائد نجاحاً يمكن الاعتداد به، ومن ثم يبادر هذا القائد لاستثمار نجاحه المحدود أو الكبير، ليزيح من يقف بوجهه، فيبرز إلى السطح ، وهكذا فعل تماماً القائد نادر الذي قاد الجيش الفارسي واستعاد أصفهان من يد الأفغان، ما لبث أن استقل بالحكم وأعلن نفسه ملكاً باسم نادر شاه وقضى على الصفويين ، طارد نادر شاه الأفغان حتى أفغانستان واحتل أجزاء منها، وتقدم نحو الهند، واستولى على كنوز المغول فيها، كما أنه أنهى الوجود العثماني داخل الأراضي الإيرانية.
ولنادر شاه تاريخ أسود في العراق، فهذا القائد الملك، والذي كان اشتهر بقسوته وطغيانه ونجاحاته العسكرية التي صاحبها مجازر دموية، كانت له في العراق فصول غريبة.
طمع نادر شاه، بسبب الظروف التي كانت تمر بها الدولة العثمانية في أواسط القرن الثامن عشر، قاده ليتقدم صوب العراق، يصاحب الموت والدمار مسيرته ، وإلى جانب الدمار والخراب كان نادر شاه يزرع الفتن الطائفية ، ويمارس سياسة الإرغام والقهر الديني والطائفي ، بلغ جيش نادر شاه حوالي 400 ألف فرد من المشاة والفرسان والمدفعية وعناصر هندسة على اختلاف فعالياته في جيش أحسن تجهيزه وإعداده.
وأحدث نادر شاه مجزرة مذهلة بتفاصيلها في مدينة كركوك عندما جمع رجال المدينة وخيرّهم بين الموت وبين تغير مذهبهم ، وعندما رفض أهل المدينة عرضه، أقدم على قتل عشرات الآلاف دفعة واحدة في مجزرة لا تماثلها في وحشيتها سوى قتل الصليبيين للمسلمين في مدينة عكا على يد الملك الصليبي ريتشارد عام 1490، والشيء بالشيء يذكر !
واصل نادر شاه تقدمه فاحتل مدينة أربيل وأحدث فيها ما أحدث في كركوك، ثم واصل تقدمه صوب مدينة الموصل فوصلها وأكمل حصاره لها في أيلول/ سبتمبر / 1743، وبادر نادر شاه إلى إرسال تحذير وإنذار بالاستسلام إلى أهالي مدينة الموصل متمثلة بوالي المدينة وكان حسين الجليلي، والياً عليها، ويحيى الفخري مفتياً للبلدة ، برسالة هي مثال للغطرسة:
اعلموا إنا جند الله، خلقنا من رحمته وغضبه ، فالبشرى ثم البشرى لمن اتبعنا، والنذرى ثم النذرى لكل من خالفنا وعصانا ، أو ليس في آثار الماضيين معتبر ؟(يريد التذكير بأحداث مدينتي كركوك وأربيل)
أفلا تذكرون أخبار الهند والسند والترك في ما وصل إليكم من وقائعهم وملاحمهم، وحقائق جيرانكم من أهل كركوك ومن والاها وكيف تعنتوا، فأطاعوا ونجوا، فهم ذوو الحظ من جلباب أمن أمان وشفقة فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لا تقدرون الدفاع فلا تعرضوا أعماركم للضياع.
فليبلغ الشاهد منكم المستمع لكتابنا الغائب. والسلام على من اتبع الهدى "
واطلع أهالي مدينة الموصل على هذه الرسالة، وكانت قد بلغت مسامعهم أحداث كركوك وأربيل ، وحيثما كان هذا الطاغية قد حل ، فتنادوا إلى اجتماع في ظاهر البلدة ونصبوا خيمة ، وحضر الاجتماع من يمثل البلدة ، وفي مقدمتهم الوالي حسين الجليلي ويحيى الفخري، وتداولوا أمرهم فقرروا أن يجيبوا على التهديد بالصمود برسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله وما اعتصامنا إلا بالله ومن لاذ بكهف كفايته، كفاه وحماه.
وصل كتابكم المرسل للعامة والمشتمل زعمكم على الطاعة " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " تفتخرون بأنكم جند الله مخلوقين من الغضب " تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب"، فما وعيدكم عندنا إلا كصرير باب ، أو كما يطن في لوح الهجير الذباب، أفرأيتم أن القصاب تهوله كثرة الغنم أو السد الغشمشم يدهشه تراكم النعم ؟
تذكرونا بأفعالكم بالسند والهند مع أولئك العلوج، وما سطوتكم على الترك، وتدهشونا بما فتحتم من قلعتي كركوك وأربيل وترعبونا بأفعال هاتيك الأباطيل، كلا ستعلمون ثم كلا ستعلمون ، الرقاع بالرقاع، ونحن الأسود الضارية والسباع الكواسر العادية ، أسيافنا صقيلة وسطوتنا ثقيلة، وحلومنا رزينة، وقلوبنا كالحديد متينة ، وبلدتنا بحمد الله حصينة.
وختموا ردهم ببيت من الشعر :
لنا جبل يحتله من بخيره منيع يرد الطرف وهو كليل
وجرب نادر شاه دون جدوى الحصار على مدينة الموصل، وبعث بسلسلة تهديدات، في آخرها رد عليهم أهالي الموصل ما نصه :" ليس بيننا وبينك إلا السيف والرماح، فلا تعاودنا بالرسل والتهديدات وإن آتانا منكم رسول سنعيده إليكم جثة بلا راس ، فتقدم ولا تبطئ ولا يفلح الساحر حيث أتى ".
ولكن نادر شاه لا يفقه إصرار مدينة صممت على الصمود، فواصل حصاره وقصفه بالمدفعية وقيامه بالإغارات، وفتح ثغرات في حصون المدينة بمدفعيته وألغامه، ولكن إصرار الصمود لدى أهل المدينة كان كبيراً.
أيقن نادر شاه استحالة اقتحام المدينة، فابتدأت قواته بالانسحاب منذ 22 / تشرين الثاني ـ أكتوبر / 1743، وكان صمود الموصل فاتحة لصمود العراق بأسره ، أما نادر شاه فقد انقض عليه جنده فقتلوه شر قتلة عام 1750.
وتلك أخبار نتداولها بين الناس لعلهم يعقلون ، ترى هل من يعقلون ؟
تدلنا التجارب التاريخية أن آخر من يعقل هم الفرس، وقد ذكرنا في مجال آخر من هذا البحث أن الفرس يخوضون معاركهم السياسية والعسكرية بطريق متشابهة تماماً، ولربما قائل أنهم يخوضون هذه المعركة الحالية ضد العرب والإسلام بطريقة مختلفة، لهؤلاء الناس للأسف نقول، إن هذه الرؤية هي فقط لمن لا يعرف تاريخ الفرس وطرق عقد تحالفاتهم، ودرجة حقدهم على العرب والإسلام بدرجة تدفعهم أن يتحالفوا مع معسكر شياطين ، إن الفارسي ينسى نفسه عندما يتعلق الأمر بالحقد على العرب والإسلام، بل يتجاهل حتى اللياقات ورتوش تستلزمها الصورة.
فهم حاولوا، أقول حاولوا، أن يخفوا علاقاتهم مع الصهاينة بعد استلام الملالي الحكم في طهران عام 1979 وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، ولكن هذا الدور كان مكشوفاً للمتتبع ... وخفياً لمن لا يريد أن يرى !
وهذا اليوم الذي نحن فيه زائل، زائل، زائل ... كما زالت مذبحة عكا، وكما زالت مذبحة كركوك وأربيل ، والأرض لأصحابها ! سيرحلون كما رحل الصليبيون، وكما رحل نادر شاه مقهوراً مدحوراً وكما رحل الإنكليز والفرنسيون دولاً صغرى ! ...
وعندما سينحسر المد سيأخذ معه كل مهملات الشاطئ.
خامساً : الملالي الصفويون :
حدثني صديق ممن لهم مكانة في الأحداث : أسرت القوات العراقية ضابطاً طياراً برتبة رائد في القوات الجوية الإيرانية، وجيء به معززاً مكرماً لاستجوابه، وطلب محدثي الاطلاع شخصياً على التحقيق بسبب أهمية رتبة الضابط الإيراني ومكانته ومنصبه.
جلس الضابط الإيراني وأمامه قدح من الشاي، وطلب كوب من الماء، فجيء به إليه ، وإذا به يخرج ورقة صغيرة من جيبه ويدعكها في ماء القدح وسط دهشة الضابط العراقي الكبير ، ابتسم الطيار الإيراني بعدها، وقال لمحققيه: هل تروني ؟
لم يفهم الضباط العراقيون مغزى هذا الكلام، فاستدركوه، فأجابهم الضابط الإيراني: إنكم تسمعوني ولكنكم لا تروني ...
وأراد أحد صغار الضباط أن يقدم على ما يجعل الطيار الإيراني يتأكد أنه راح ضحية وصفة دجالين، ولكن الضابط العراقي الكبير نهره، وأجاب الضابط الإيراني: بالتأكيد نحن نراك ونسمعك وبوسعي أن ألمسك ، ولمسه فعلاً في كتفه ويده ، أجهش بعدها الضابط الإيراني بالبكاء ، ينوح بكلام عجيب: إنهم خدعوه إذ قالوا له : إنه وبمجرد شرب قدح الماء عندما يذاب فيه محتوى الورقة، فإن الأعداء سوف لن يتمكنوا من رؤيته.
فقال له الضابط العراقي: حسناً ولماذا لم تشرب هذه الورقة عندما كنت قي قاعدتك وتطير إلينا ، وسوف لن يكون بوسعنا رؤيتك وبالتالي أصابتك ؟
لم يكن لدى الطيار الإيراني ما يقوله سوى أن يحملق صامتاً لا يحار جواباً !
كان محدثي شخصية محترمة، ولكني مع ذلك التمسته عذراً وطلبت منه أن يقسم لي على صحة الواقعة، ذلك أني مؤرخ وأريد تسجيل الواقعة بأمانة وبدقة. ففعل الرجل. وكان الضابط الإيراني قد تلقى تعليمة الابتدائي في الطيران وبعدها دورات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي ذلك معنى آخر !.
علماء الاجتماع والتاريخ يلتمسون في مثل هذه العينات، ويتخذون منها المقياس ، ترى أي تدريب نفسي عميق خضع له هذا الضابط الذي يستبعد أن يكون منتمياً لحركة دينية، ولكن سرعة تقبله التضليل والدجل يشير إلى قدرة على التقبل تستحق التأمل !
كان تسارع الأحداث قد قاد إلى تصادم بين العراق وإيران، ولأشهر طويلة خلت والعراق يمطر الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتجاوزات واعتداءات تجاوزت في مراحلها النهائية ما يمكن اعتباره اشتباكات حدودية، أو سوء فهم وتفهم، أو أطلاق نار عرضي، ولكن الأمر تطور على نحو يوصف بالخطورة بسبب:
* استخدام أسلحة يربط استخدامها بموافقة القيادة العامة للقوات المسلحة، كسلاح الطيران، والقوات البحرية.
* استخدام أسلحة ليس بوسع ضباط صغار استخدامها قد يوصفون بالطيش، بل يربط استخدامها بموافقة القيادات العليا، قيادة الفيلق أو الفرقة، كالمدفعية الثقيلة.
* تجاهل تحذيرات كثيرة عبر مذكرات رسمية تم إرسالها إلى الحكومة الإيرانية عبر القنوات الدبلوماسية المباشرة بين البلدين.
* تدخل إيراني واضح وصريح وعلى أعلى المستويات في الشأن الداخلي العراقي، والتحريض على فتن داخلية وحروب أهلية ورعاية تنظيمات سرية للأسلحة والمفرقعات.
* إطلاق مسئولين إيرانيين كبار، على مستوى رئيس الجمهورية إطلاق تصريحات تفتقر إلى أبسط اللياقات، تشير إلى استعدادات عدوانية ونوايا توسع واضحة.
وعندما قام الطيران الإيراني بغارات في العمق العراقي نجم عنها ضحايا من المدنيين، وأضرار بممتلكاتهم، وقطعوا الملاحة في شط العرب، وهو شريان تجاري وعسكري مهم للعراق، لم يعد السكوت ممكناً، فالإيرانيون يريدون أن يخوضوا حرباً على طريقتهم، وبما ينسجم مع ما كانوا قد خططوا له، وكان العراق قد أسقط طائرة إيرانية وأسر طيارها وأبلغ الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي عن وجوده.
ومع ذلك، فليس نادراً في تاريخ النزاعات الحدودية بين الدول اندلاع اشتباكات حدودية، قد تتطور بهذا الاتساع أو ذاك، وأدراج مجلس الأمن حافلة بملفات لا حصر لها، عن اشتباكات حدودية يمكن أن تحمل شرارات الحرب الشاملة بين دولتين، وبالمقابل فإن مجلس الأمن يتخذ عادة آليات تهدف إلى تخفيف التوتر وإيقاف النار واللجوء إلى طاولة المفاوضات ، وهكذا كان عندما أصدر مجلس الأمن قراراً بوقف إطلاق النار بعد أيام من بدء العمليات العسكرية بين الدولتين، قبل به العراق ولكن إيران رفضته، واستمرت ترفضه لمدة ثمان سنوات.
لم يطرح العراق أطماعاً في الأراضي الإيرانية، وجل طلباته كانت ترتكز على تسوية عادلة تستند إلى المواثيق الدولية، أو الثنائية الموقعة بين البلدين، ولكن الأجندة الإيرانية كانت حافلة بالمشاريع الكسروية الصفوية أقلها اقتطاع جزء أو أجزاء من العراق، وليس أدل على ذلك إبدال اسم شبه جزيرة الفاو عندما احتلوها لفترة مؤقتة، وأطماعهم في حقول النفط، ولكنهم لم يتورعوا في أن يلبسوا أطماعهم مسوحاً دينية تنضح زيفاً، وإلا فما معنى أن يضعوا النجف وكربلاء ضمن مخططاتهم الهجومية، وكأن هذه الديار لا صاحب لها.
أُسر ضابط إيراني برتبة ملازم في محور جبهة سيدكان/ حاج عمران واقتيد إلى قائد الوحدة العراقية ليقابله قبل تسفيره إلى الخطوط الخلفية ، ومن البديهي أن يكون السؤال الأول عن اسمه ووحدته، وهدف الهجوم الابتدائي والنهائي ، فما كان أشد استغراب القائد العراقي عندما أخبره هذا الملازم أن كربلاء والنجف هي هدف الهجوم ، وكان هذا الهدف معروفاً وشائعاً ولا يثير الدهشة، لكن الضابط الإيراني أكد أن هدف الهجوم هو كربلاء ، وعدنها سأله القائد العراقي إن كان ضابطاً حقيقياً خريج معهد عسكري أم من الملالي المتعسكرين ؟
فأكد الضابط الإيراني بأنه خريج كلية عسكرية ، وهنا فرش القائد العراقي الخريطة أمامه وأشار إليه موقع المعارك، والتي يفصلها سلسلة جبال شاهقة ومنيعة عن حوض راوندوز وسلسلة جبلية أخرى عن سهل حرير ثم سلاسل أخرى عن محافظة أربيل وخمسمائة كيلومتر تقريباً عن كربلاء، فما رأيك أيها الملازم ؟
الملازم الشاب لا يجيب، يكتفي بالترديد أن قادته قالوا له : إن كربلاء خلف هذه السلسلة الجبلية ، نعم إنهم استطاعوا شحن بطاريته بالخرافة والدجل، ولكن هذه الماكنة البشرية سريعة العطب لو كانوا يعلمون ؟
لقد تعلموا ذلك ولكن ليس قبل مرور ثماني سنوات من القتال والموت المجاني، وبعد ذلك يتهمون العراق بشن الحرب وإطالتها، يفاوضون ويماطلون، يعدون ويخلفون، يقولون شيئاً ويفعلون عكسه، وكأن من العار أن يصدق الفارسي في كلامه !
ما هي المسافة بين الكذب والصدق في أطروحات الفرس ؟ لا أريد القول بأنها بعيدة ولا الزعم بأنها قريبة، ففي كلاهما يكمن الباطل، وكيف ذلك ؟
إني أقرر دون تردد: أن الكذب والصدق ملتحمان في الموقف والأطروحة الفارسية حتى ليصعب فرز أحدهما عن الآخر، بل إن ذلك عسير حتى علماء النفس أو الفيزياء، حتى يحار المرء كيف يمكن للمرء أن يتخذ موقفين متناقضين تناقضاً كلياً في آن واحد، كيف يمكن للمرء أن يرسم على ملامح وجهه في لحظة واحدة حتى لو كان أبرع ممثل على وجه الأرض، ينافسون في ذلك ميكافيلي سيء الصيت !
وأبدع تلك اللقطات إطلاقا، هو زعم القيادة الإيرانية عداءهم مع الصهاينة ، بل وصدق ذلك الكثير من الناس، ولكن الغشاوة تزول تدريجياً: وأولى تلك العلامات هو رفض الخميني الصارم، تدخل منظمة التحرير الفلسطينية في قضية رهائن السفارة الأمريكية، الأمر الذي أدهش الكثيرين، ولكن مازال هناك من يعتقد أنها كانت رغبة إيرانية إبعاد القيادة الفلسطينية عن المساومات، رغم أنهم أهدوا القضية ومكاسبها السياسية لرونالد ريغن مجاناً، ريغن الذي تعهد للناخبين وصناع القرار الأمريكي بإزالة عقدة فيتنام وانتهاج سياسة أمريكية شرسة، ولدورتين متعاقبتين كان فيها ريغن فرس الرهان الذي اختارته دوائر الاستراتيجية الأمريكية وصقورها وفي مقدمتهم المخابرات الأمريكية CIA والبنتاغون.