مركز الخزف ينعش عاصمة مصر القديمة

مركز الخزف بالفسطاط- القاهرة

عندما نذكر الفسطاط، فلا يتبادر إلى الذهن تلك المدينة الواقعة في مصر
القديمة فقط، وإنما ما هو أكثر من ذلك، فالفسطاط مفهوم بحد ذاتها يرتبط
بالتاريخ المصري ارتباطا لم تعرفه مدينة أخرى، كما أنها تعبر عن سمات خاصة
في مصر، وتقرن بالعديد من التحولات في التاريخ المصري، فالفسطاط العاصمة
القديمة لمصر هي المدينة التي أسسها عمرو بن العاص سنة 6400م-41هـ في ذلك
الفضاء الواسع بين نهر النيل وتلال المقطم، وبنى فيها أول مسجد في مصر
والذي عرف باسم مسجد عمرو بن العاص، كما أنها تعد رمزا لما مر على مصر من
أديان؛ حيث تضم أعظم المناطق الأثرية والدينية الهامة، مثل: جامع عمرو بن
العاص، والمتحف القطبي، وكنيسة أبو سرجة والست بربارة، وكنيسة مضمرية،
والمعبد اليهودي.

ورغم أن هذه المدينة مرت بحالة من التدهور خاصة بعد إنشاء مدينة القاهرة
على يد الفاطميين فإنها لما لها من تاريخ حافل بالأمجاد ظلت نقطة التواصل
بين الماضي والحاضر؛ حيث تعد من أهم مناطق القاهرة العريقة امتلاكا
للطاقات المبدعة من فناني الخزف، هذا الفن المتوارث الذي تستأثر مصر
بريادته.

تزاوج الماضي والحاضر

وسيظل التاريخ يشهد - كما يقول فاروق حسنى وزير الثقافة المصري - على قدرة
هذا الفنان على تحويل عناصر بيئته إلى موجودات فنية وحضارية تتناسب مع
عصره، وتستشرف المستقبل في ظل معطيات الثقافة المعقدة لهذا العصر، ومن هنا
تأتي أهمية مركز الخزف بالفسطاط والذي افتتحت مراحله الأولى السيدة "سوزان
مبارك"؛ إذ يعد واحدا من المشروعات الكبرى ضمن خطة وزارة الثقافة، والتي
تهدف إلى إحياء أمجاد ماض عريق بإتاحة الفرصة الكاملة لفناني الخزف
لممارسة إبداعاتهم، والتأكيد على التميز في هذا المضمار والذي لم يتخل عنه
أبناء مصر طوال تاريخهم.

كما تعد مدينة الفسطاط التي تضم مركز الخزف - كما يقول د.أحمد نوار رئيس
قطاع الفنون التشكيلية- في إطار المشروعات التي تتواصل فيها حلقات التاريخ
المصري ماضيه بأصالته وحاضره بإنجازاته، ومستقبله الذي يتيح لأبنائه فرص
الإبداع؛ حيث يكفل المركز ممارسة فعلية، سواء من خلال المراسم المعدة لذلك
بمواصفات عصرية أو بتوفير إمكانيات البحث والتجريب واستيعاب الرؤى
المتنوعة والمتعددة في مجال الخزف.

نشأة المركز

ويرجع تاريخ نشأة مركز الخزف بالفسطاط - كما يذكر الفنان محسن شعلان مدير
عام مركز الحرف التقليدية - إلى عام 1958 حينما كلفت وزارة الثقافة الفنان
الراحل وشيخ الخزافين الفنان "سعيد الصدر" بإنشاء وتأسيس مركز لفن الخزف
بمنطقة الفخرانية، والذي بدأه بأتيليه صغير يحتوي على فرن واحد لحرق
الخزف؛ حيث قدم من خلال تلك الإمكانيات المحدودة نموذجا رائعا لتجربة
فريدة من نوعها مزج من خلالها بين التلقائية والأكاديمية ووصل إلى مستوى
مشرف في إنتاج الخزف المصري الذي يتميز بالإبداع المتكامل وبأسس القيم
الفنية المصرية الأصلية، معتمدا على خامات من البيئة.

كما جلب إلى المركز العديد من الصبية من أولاد الفخرانية وقام
بتعليمهم وتدريبهم على مبادئ الفن المتوارث ليصنع منهم أسماء جادة ومتميزة
في هذا الفن؛ لتأتي الخطوة الثانية كما يقول شعلان من خلال افتتاح مركز
الخزف بالفسطاط الجديد، بكامل إمكانياته وملحقاته ليتجدد معه الأمل نحو
المزيد من الأداء والكشف عن المواهب الجديدة، وإثراء واحد من أعرق فنون
الإنسان المصري.

إشعاع ثقافي

ويتمثل الهدف الرئيسي لمشروع مركز الخزف بالفسطاط كما يقول المعماري جمال
عامر المسئول عن المشروع، في بناء نواة ثقافية وفنية تؤدي إلى تنمية
المنطقة بأكملها فنيا واجتماعيا وخلق ثورة التقاء للفنانين والخزافين
وإقامة العروض والمهرجانات الفنية، وقد روعي في التصميم البيئة الثقافية
والتاريخية لمنطقة مصر القديمة، بحيث يتناسب المعمار مع الطابع التاريخي
والمعماري للمنطقة من حيث التناغم مع خط السماء الذي يزخر بالعديد من قباب
المساجد وأبراج الكنائس وغيرها من المباني التاريخية ذات القيمة الجمالية
والفنية التي يجب الحفاظ عليها وتأكيد هويتها، كما روعي في التصميم قرب
المشروع من مجموعة القواصير ببطن البقرة وكوم غراب والتي تعج بالفنانين
والفخرانية والحرفيين؛ مما يجعله مركز إشعاع ثقافيا وفنيا ومرجعا مهما
للحفاظ على تراث الخزف على مستوى مصر.

والأهداف كانت واضحة لجعل مركز الفسطاط هو حلقة الوصل بين الإبداع المصري
والعالمي ومنارة للثقافة والبحث والتجريب، كما يقول "علي إبراهيم علي"
مدير مركز الخزف بالفسطاط: كانت الرؤية واضحة لإيجاد صيغة للتفاعل بين فكر
حضارتنا الشرقية ومادية الحضارة الغربية، والتي يجمع بينهما العمل الفني،
فقد قام قطاع الفنون التشكيلية بإنشاء سبعة مراسم لاستضافة الفنانين
العالميين المتميزين في مجال الخزف؛ وذلك لإجراء تجاربهم وأبحاثهم وإقامة
ورش عمل مع شباب الفخارين المصريين.

كذلك إقامة مكتبة متخصصة تحوي العديد من الكتب الفنية والثقافية في مجال
فن وصناعة الخزف، بالإضافة إلى تخصيص قاعة للندوات والعروض، وكذلك العروض
السينمائية المصاحبة لفن الخزف والفنون الأخرى، وكذلك العروض الموسيقية
والغناء داخل المركز.

ويضم المركز أيضا قاعات للعروض الفنية المتميزة والتي ستكون بمثابة إضافة
جديدة لقاعات العروض المنتشرة في مصر، بالإضافة إلى استحداث قسم خاص
للفسيفساء من أجل إحياء ونشر هذا الفن العربي الأصيل.

معارض للفنانين

كما يضم المركز أيضا متحفا لعرض نتاج أعمال الفنانين الذين سيتم استضافتهم
بالمركز، والذي يتميز بالابتكار والإبداع والبحث والتجريب، وضم هذا المتحف
الآن 120 قطعة من الأعمال المميزة للعاملين بالمركز، هذا إلى جانب أن
المركز يضم قسما خاصا لتجهيزات الطينات وقسم الطلاء الزجاجي، إلى جانب
القسم المالي والإداري الذي يعمل على تنظيم وخدمة العمل الفني، بالإضافة
إلى تخصيص قاعة لأجهزة الكمبيوتر للمساعدة في أعمال التصميمات والزخرفة
وتسجيل الأعمال، وقد تم تأسيس المركز بأثاث يتناسب والشكل الجديد للمبنى.

منقول
تحياتى للجميع