الصفحة 3
-أراهن أنه ليس هناك من يعرف بوجودي وسط هذا العالم. رغم أني أرى في الناس أعماقهم، و لكنهم لا يرون أبعد من أنوفهم...
و فجأة شعرت أني مجرد روح تسير الآن عبر هذا الزقاق، تنفض عنها غبار النسيان، و تعود إلى الأزمنة الغابرة.
سرت بين الديار و الأبواب مغلقة، لا ضجيج و لا أضواء، غير نور أقتبسه من الذاكرة. فراغ كبير، و سكون رهيب قطعه مواء قطة و صوت صفيح يرتطم بالأرض... ثم عاد السكون. فمشيت ثانية أتأمل جدران المنازل...
في يوم ما كنت هنا أرسم على هذا الحائط. أو أكتب شيء، و في هذا الركن كان منزلي، الذي أرداه الزمان حطاما !!!... لا يعلمون أن تحت هذا الحطام، كان هناك إنسان يبحث عن ذاته، عن مكان له بين الناس. تحت هذه الكومة الكبيرة من الحجارة يوجد قلب كان به مخزون من الحب يوزعه على العالم رغم أن العالم لم يشعر بوجوده أبدا...
تأملت المكان، ثم مشيت من جديد. و بقيت أمشي، لا أعرف إلى أين. حتى وصل إلى مسمعي صوت أمواج البحر! و هي تضرب الصخور تريد تدميرها مثلما دمر الزمان بيتي...
اقتربت من الشاطئ، و أمواجه الغاضبة تكاد تصيبني بالصمم، إذ و في لحظة ابتلع البحر لسانه!!! و أصبحت أمواجه خرساء!!!... أراها قادمة نحوي قوية مجنونة... ولكن لم يصدر منها صوت!!!...
و في غضون هذا السكون الغريب، رأيت عينين تلمعان قادمتين نحوي، من غياهب الأزمنة الماضية، تجمع فيهما الشر و الخير، و تجمع في قلبي الخوف و العجب!!!...
كان خارجا من عمق البحر لا يتكلم. و جلس إلى جانبي جثمان لا أدري لمن يكون!!!؟. نظر إلى البحر و بدا و كأنه يسمعه بينما أنا لا!!!...
جلست إلى جانبه و كأنه لا يراني!. وكأنه لا يشعر بوجودي!. و فجأة بينما أنا أبحث في ملامحه، التفت نحوي ... و جعل قلبي ينبض ألف نبضة في الثانية. ثم نهض دون أن يحرك رمش. و سار فمشيت وراءه. كنت متأكدا من اعتقاده أنه وحيد، فقط مع أمواج البحر، و السماء و رمال البحر التي تطأها قدماه.
و لكنه لم يمشي و كثيرا و استدار نحوي، و أمسكني من كتفي!!!. تسربت إلى أوصالي حرارة شملت كل جسدي. حرارة نقلها لي عبر يديه. نظر في عيوني نظرة طويلة. حتى لم أعد أعرف بماذا أشعر!. أغمض جفونه و أعاد فتحهما، دون أن ينبس ببنت شفة. ثم واصل طريقه... و كأنه يقول لي ابقى مكانك لا تتبعني.
... يتبع ...