آليات الحوكمة ودورها في الحد من الفساد المالي والإداري في الشركات المملوكة للدولة
3 مشترك
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: رسـائل ماجستـيــر ودكتـــوراة و بـحـوث جـامعيـة الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: ابحاث المحاسبه
صفحة 1 من اصل 1
آليات الحوكمة ودورها في الحد من الفساد المالي والإداري في الشركات المملوكة للدولة
المقدمة
لقد أثبتت الانهيارات والفضائح المالية ، التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال بشكل خاص ، في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وروسيا ، واليابان ودول شرق آسيا فشل الأساليب التقليدية في منع مسببات تلك الانهيارات والفضائح ، والتي كان لظهورها آثار مدوية ونتائج مدمرة ، الأمر الذي دفع الجهات المعنية وعلى المستويين الوطني والدولي إلى إجراء دراسات معمقة لتحديد الأسباب الرئيسة التي كانت وراء حدوث الأزمات والانهيارات المشار إليها في أعلاه ، والتي كانت ترتبط بشكل كبير بالجوانب المحاسبية والتدقيقية .
وكانت الحوكمة والياتها ثمرة هذه الدراسات لمنع حدوث مثل هذه الأزمات أو الحد منها في اقل تقدير ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات ، من أبرزها الشفافية والإفصاح عن المعلومات المالية وغير المالية وإعدادها وفقا للمعايير المحاسبية ذات الصلة ، وكذلك تعزز دور وظيفتي التدقيق الداخلي والخارجي ، وبخاصة ما يتصل باستقلالية هاتين الوظيفتين وتشكيل لجنة التدقيق من مجلس الإدارة للإشراف عليهما .
تكتسب الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، وذلك لأنها مازالت تؤدي دورا مؤثرا في النشاط الاقتصادي في العديد من دول العالم ، ومنها العراق ، وتمثل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي ، وتوفر فرص العمل ، فضلا عن إنها غالبا ما تكون مسيطرة في الصناعات ذات المنافع العامة ، مثل الطاقة ، والنقل والاتصالات وغيرها . وان اداء هذه الشركات ذو أهمية كبيرة لعموم المواطنين ، هذا من جانب ، ومن جاني اخر ، اذا ما قررت الدولة خصخصة قسم من هذه الشركات ، فان الحوكمة تعد متطلبا أساسيا من متطلبات الخصخصة ، وذلك لتشجيع المستثمرين على شراء هذه الشركات والاستثمار فيها ، وضمان الحصول على اكبر عائد ممكن من عملية الخصخصة ، وذلك بمنع حالات الفساد المالي والإداري التي قد تكون مرتبطة بذلك .
وقد تمثلت المشكلة التي حاول البحث التصدي لها بافتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تعاني منها هذه الشركات .
ويهدف البحث إلى التاطير الفكري لمفهوم الحوكمة ، وذلك بتعريفها واستعراض نشأتها وتطورها ومبرراتها ، وكذلك تناول موضوع الفساد المالي والإداري ، وذلك بتعريفه وبيان أسباب حدوثه وابرز مظاهره ونتائجه ، ومن ثم التطرق إلى دور آليات الحوكمة في الحد منه .
ولأجل تحقيق أهداف البحث ، فقد قسم إلى ست فقرات ، خصصت الأولى منها لمنهجية البحث ، فيما كرست الثانية لمفهوم الحوكمة والياتها . وتناولت الفقرة الثالثة مفهوم الفساد المالي والإداري . أما الفقرة الرابعة فقد خصصت لدور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي والإداري . واختتم الباحث بحثه بجملة من الاستنتاجات والتوصيات تناولتها الفقرتين الخامسة والسادسة .
أولا : منهجية البحث
1 . مشكلة البحث
تواجه اقتصادات العديد من الدول وخاصة تلك التي تمر بمرحلة انتقالية ،سواء كانت سياسية ، مثل التحول من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية ، أو اقتصادية ، مثل التحول من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق تحد كبير يتمثل بزيادة فرص ممارسة الفساد المالي والإداري ، وما يساعد على ذلك هو عدم اكتمال بناء المؤسسات الوطنية والقوانين التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين ، مستغلين ضعف الأجهزة الرقابية والقضائية في موجهة هذا الخطر الداهم .
لذا فان مشكلة البحث التي يحاول البحث التصدي لها تتركز في افتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تهاني منها هذه الشركات .
2 . هدف البحث
يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على مفهوم حوكمة الشركات ، نشأتها وتطورها ، أهميتها ومبرراتها ، وكذلك استعراض أهم آلياتها مع التركيز على دور لجان التدقيق في مجالس الإدارة باعتبارها ابرز دعائم تحقيق هذا المفهوم الجديد ، وعلاقة هذه اللجان باليتين اخريتين هما التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي . كما انه يهدف إلى لفت الانتباه جميع الجهات المسؤولة إلى خطر الفساد المالي والإداري ، وذلك بعد تحديد مفهومه وأسباب ظهوره ، واهم مظاهره ونتائجه على الاقتصاد الوطني بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام ، ودور آليات حوكمة الشركات في الحد منه .
3 . أهمية البحث
يستمد هذا البحث أهميته من جانبين :
الأول ، ويتمثل بخطورة الفساد المالي والإداري الذي استشرى في مؤسسات الدولة ومنها الشركات المملوكة لها ، وما يتركه من آثار كبيرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم على المجتمع بأسره .
الثاني ، هو تزايد الاهتمام بموضوع حوكمة الشركات في السنوات الأخيرة ، وكون أسسها ومبادئها والياتها تعد من المفاهيم الحديثة على المستوى العالمي بصفة عامة ، وعلى المستوى المحلي بصفة خاصة . وان الوعي بهذه المفاهيم وتطبيقاتها يؤدي إلى تحقيق قدر كبير من الشفافية والعدالة ، وكذلك منح حق مساءلة الشركة ، وبالتالي حماية حقوق الدولة وجميع أصحاب المصالح فيها ، والحد من مشكلة الفساد المالي والإداري ، الذي يتمثل بشكل كبير في استغلال السلطة والوظيفة في غير المصلحة العامة ، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة أداء هذه الشركات وتعظيم قيمتها وبالتالي توسعها وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين .
4 . أسلوب البحث
يعتمد البحث على النهج الوصفي التحليلي Analytical Descriptive Approach لموضوع الدراسة، وهذا المنهج معمول به في كثير من البحوث والدراسات ، خاصة تلك التي تتناول ظواهر اجتماعية تتعلق بالممارسات اليومية ، حيث تم الاطلاع على عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المتخصصة ، وكذلك المنشورة على شبكة الانترنت ، بالإضافة إلى الاطلاع على آليات وقواعد الحوكمة الصادرة عن المنظمات والهيئات العالمية والمحلية ، وأخضعت للتحليل والمناقشة بما يخدم أهداف البحث ، ومن ثم اقتراح بعض التوصيات التي قد تساهم في اعطاء مرجعية مفيدة للشركات العراقية .
ثانيا : مفهوم الحوكمة
لقد أصبحت حوكمة الشركات من المصطلحات الأكثر شيوعا في قاموس الأعمال العالمي الحديث . وهذا يثير تساؤلا " هل إن حوكمة الشركات مكون حيوي من مكونات منشات الأعمال الناجحة أم إنها مجرد بدعة أخرى سوف تضمحل وتتلاشى عبر الزمن ؟ " ، والواقع إن هذا المصطلح اوجد ذاته وفرض نفسه قسرا أو طواعية ، حيث أوجدته ظروف غير مستقره ، واضطرابات قلقة وحوادث عنيفة اجتاحت بعض أسواق المال والأعمال ، وألقت عليها بظلال من الشكوك ، وألوان من القلق والهواجس ، ونشرت معها الكثير من التساؤلات الحائرة حول مصداقية البيانات التي تصدر عن هذه الشركات ، ومدى إمكانية الاعتماد عليها بصفة خاصة في اتخاذ أي قرار ، أو التعويل على المعلومات المنشورة بصفة عامة ، وصدقها في التعبير عن حقيقة أوضاع الشركات .
ولا تقتصر أهمية الحوكمة على أولائك المتعاملين في أسواق رأس المال ( بائعين ، ومشترين ، و وسطاء ، و شركات معلومات ) ، والموردين ، و والمقرضين ، والممولين من المصارف وشركات التمويل ، بل امتدت إلى منشات الأعمال ، والحكومات والدول ، والمؤسسات الدولية ، خاصة بعد الانهيارات التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، المملكة المتحدة ، و روسيا ، و اليابان ودول شرق آسيا . وكان لظهور هذه الفضائح آثار ونتائج مدمرة ، أدت إلى بروز أهمية الحوكمة .
وفي ضوء ما تقدم تتناول هذه الفقرة موضوع الحوكمة من خلال التعرض لمفهومها وأهميتها ومبرراتها .
1 . فكرة ومعنى الحوكمة
أ – نشأت و تطور فكرة حوكمة الشركات
إن حوكمة الشركات Corporate Governance عبارة عن مصطلح تم البدء في استخدامه مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي ، حيث تزايد استخدام هذا المصطلح بشكل واسع في السنوات الأخيرة منه ، وأصبح شائع الاستخدام من قبل الخبراء ، لاسيما أولائك العاملون في المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية . يشير ( سليمان ) إلى إن ظهور نظرية الوكالة * Agency Theory وما ارتبط بها من إلقاء الضوء على المشكلات التي تنشأ نتيجة تضارب المصالح بين أعضاء مجالس إدارة الشركات وبين المالكين إلى زيادة الاهتمام والتفكير في ضرورة وجود مجموعة من القوانين واللوائح التي تعمل على حماية مصالح المساهمين والحد من التلاعب المالي والإداري الذي قد يقوم به أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية بهدف تعظيم مصالحهم الخاصة ، وذلك باعتبارهم الجهة التي تمسك بزمام الأمور داخل الشركة (1 (.
أما عن جذور فكرة حوكمة الشركات فتشير ( أبو العطا ) إلى إنها تعود إلى Berle & Means اللذين يعدان أول من تناولا موضوع فصل الملكية عن الإدارة ، وذلك في سنة 1932 . وتأتي حوكمة الشركات لسد الفجوة التي يمكن أن تحدث بين مديري ومالكي الشركة من جراء الممارسات السلبية التي من الممكن أن تضر بالشركة وبالصناعة كلها (2. (وفي هذا السياق يأتي تأكيد Mitchel et al. و Monks & Minow بعد فترة من الزمن على إمكانية حل مشكلات الوكالة أو تخفيفها ، وذلك من خلال التطبيق الجيد لآليات حوكمة الشركات (4 ) و (5 ) .
وقد أكدت العديد من الدراسات على أهمية الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات وأثرها في زيادة ثقة المستثمرين في أعضاء مجالس إدارة الشركات ، وبالتالي قدرة الدول على جذب مستثمرين محليين أو أجانب ، وما يترتب على ذلك من تنمية اقتصادات تلك الدول . وصاحب ذلك قيام العديد من دول العالم والمنظمات الدولية بالاهتمام بمفهوم حوكمة الشركات ، وذلك من خلال قيام الهيئات العلمية ، والجهات التشريعية بإصدار مجموعة من اللوائح والقوانين والتقارير والقواعد التي تؤكد على أهمية التزام الشركات بتطبيق تلك المبادئ .
ب – معنى الحوكمة
لاشك انه هناك العديد من المصطلحات في اللغة الانكليزية نجد لها معنى واضحا ومتفقا عليه إلى حد الإجماع في اللغة العربية . ولكن في مقابل ذلك هناك العديد من المفاهيم التي لا توجد لها ترجمة حرفية في اللغة العربية ، تعكس ذات المعنى والدلالات التي تعكسها اللغة الانكليزية ، وان احد الأمثلة الحية على هذه المفاهيم هو مصطلح Governance . وعلى المستوى المحلي والإقليمي لم يتم التوصل إلى مرادف متفق عليه في اللغة العربية لهذا المصطلح ، كما إن اقتران هذا المصطلح مع كلمة Corporate أعطاه أكثر من مدلول . وفي هذا السياق يذكر (الصالح ) انه وجد خمسة عشر معنى في اللغة العربية لتفسير المصطلح المذكور وهي ( حوكمة الشركة ، و حاكمية الشركة ، و حكما نية الشركة ، و التحكم المشترك ، و التحكم المؤسسي ، و الإدارة المجتمعة ، و ضبط الشركة ، و السيطرة على الشركة ، و المشاركة الحكومية ، و إدارة شؤون الشركة ، و الشركة الرشيدة ، و توجيه الشركة ، و الإدارة الحقة للشركة ، و الحكم الصالح للشركة ، و أسلوب ممارسة سلطة الإدارة(6 ). ولأغراض هذا البحث سوف يعتمد الباحث مصطلح حوكمة الشركات على Corporate Governance ، الذي يرمز له اختصارا ( CG ) ، الذي حدده المجمع العلمي المصري ، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من الأسانيد اللغوية والعلمية (7 ) .
وقد تعددت التعاريف المقدمة لهذا المصطلح بحيث يدل كل منها عن وجهة النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف ، إذ لا يوجد على المستوى العالمي تعريف موحد متفق عليه بين المحاسبين والإداريين والقانونيين والمحللين الماليين لمفهوم حوكمة الشركات Corporate Governance 8 ) ) . و تقع التعاريف الموجودة لحوكمة الشركات في إطار طيف واسع من المضامين ، إذ تتباين التعاريف من تلك التي تعبر عن وجهة نظر ضيقة في طرف من أطرافه إلى التعاريف التي تنطلق لتعبر عن وجهات نظر أوسع نطاقا وأكثر شمولا في الطرف الآخر منه . سوف يضعها الباحث بحسب محاور الاهتمام التي انطوت عليها وكما يأتي :
* التعاريف التي تركز على العلاقة بين الشركة والمالكين وتوجيه
أدائها .
تنسجم هذه التعاريف مع أنموذج التمويل التقليدي ، معبرا عنه بنظرية الوكالة بشكلها المبسط . إذ إنها تركز على المالكين ودورهم في الرقابة على أداء الشركات وتوجيهها . وعلى وفق هذا المنظور عرفتها مبادرة Berlin بأنها " المجموعة الكاملة من الترتيبات التشريعية والمؤسسية التي تحدد الإطار التنظيمي الواقعي والقانوني لإدارة الشركة والإشراف عليها " ( 9 ) .
ويرى الباحث إن التعاريف التي تقع في هذا الإطار قد أغفلت بيان المفاهيم الأساسية التي هي بمثابة الأعمدة التي تركز عليها عملية الحوكمة وهي المساءلة ، و الشفافية ، والنزاهة ، و الإنصاف ومسؤولية جميع الأطراف المشاركة وحماية حقوق جميع أصحاب المصالح في الشركة .
* التعاريف التي تتمحور في تحديد الأطراف ذات العلاقة وتحديد
مسؤوليات وواجبات وصلاحيات كل منها .
ينظر إلى حوكمة الشركات على وفق هذه التعاريف كشبكة من العلاقات ، ليس فقط بين الشركة ومالكيها ، بل بين الشركة ومجموعة كبيرة من أصحاب المصالح الآخرين Stakeholders ( العاملين ، و الزبائن ، و المجهزين ، والمقرضين ، ...الخ ) . كما إنها تنسجم مع نظرية أصحاب المصالح ، التي هي الشكل الموسع لنظرية الوكالة . وفي هذا السياق يأتي تعريف Sir Adrian Cadbury ، الذي عرفها بأنها " تعنى بإقامة التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ، بين الأهداف الفردية والجماعية ، وان إطار حوكمة الشركات هنا لتشجيع الاستخدام الكفء للموارد وطلب المساءلة عن الوصايا عليها . وان الهدف هو الربط قدر الإمكان لمصالح الأفراد والشركات والمجتمع كله " ( 10 ) .
* التعاريف التي تركز على أهداف الشركات والبعد الستراتيجي
لها .
تركز التعاريف في إطار هذا المضمون على أهداف الشركة ، ورسم الاتجاه الستراتيجي لها ، للسيطرة على متغيرات بيئتها الداخلية والاستعداد لمواجهة متغيرات البيئة الخارجية والتكيف معها ، وذلك لتحقيق مطالب أصحاب المصالح ، وديمومة بقاء الشركة . وفي هذا الاتجاه يعرف Hitt et al. حوكمة الشركات بأنها " تمثل العلاقات بين أصحاب المصالح ، والتي تستخدم لتحديد الاتجاه الستراتيجي للشركة والرقابة على أدائها . وان حوكمة الشركات في جوهرها تهتم بتحديد طرق لضمان اتخاذ القرارات الستراتيجية في الشركة بشكل فعال( 11 ).
وللتأكيد على دور أصحاب المصالح في الإشراف على المخاطر وإدارتها في الشركة ، يعرف كل من Hermanson و Rittenberg حوكمة الشركات بأنها " عمليات تتم من خلال إجراءات تتخذ من قبل أصحاب المصالح لتوفير إشراف على المخاطر وإدارتها من خلال الإدارة ومراقبة مخاطر المنظمة والتأكيد على كفاية الضوابط الرقابية لتجنب هذه المخاطر ، مما يؤدي إلى المساهمة المباشرة في انجاز أهداف الشركة وحفظ قيمها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن أداء أنشطة الحوكمة يكون من مسؤولية أصحاب المصالح فيها ، لتحقيق فعالية رعاية العهدة Stewardship " (12 ) .
2 . اهمية ومبررات الحوكمة
لقد تعاظمت في الآونة الأخيرة أهمية حوكمة الشركات بشكل كبير لتحقيق التنمية وتعزيز الرفاهية الاقتصادية للشعوب . إذ برزت هذه الأهمية بعد ألازمة المالية الآسيوية 1997 – 1998 ، والانهيارات والفضائح التي طالت كبريات الشركات ، مثل شركة انرون Enron للطاقة وما تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية التي كانت لا تعبر عن الواقع الفعلي لها ، وذلك بالتواطؤ مع كبرى الشركات العالمية الخاصة بالتدقيق والمحاسبة ، وهو ما جعل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD * تصدر مجموعة من القواعد لحوكمة الشركات الخاصة في سنة 2004 ولحوكمة الشركات المملوكة للدولة في سنة 2005 .
فعلى الصعيد الاقتصادي أخذت تتنامى أهمية القواعد السليمة لحوكمة الشركات ، وهو الأمر الذي أكده Winkler بشدة ، حيث أشار إلى أهمية حوكمة الشركات في تحقيق التنمية الاقتصادية وتجنب الوقوع في مغبة الأزمات المالية ، وذلك من خلال ترسيخ عدد من معايير الأداء ، بما يعمل على تدعيم الأسس الاقتصادية في الأسواق وكشف حالات التلاعب والفساد المالي والإداري وسوء الإدارة ، بما يؤدي إلى كسب ثقة المتعاملين في هذه السواق ، والعمل على استقرارها والحد من التقلبات الشديدة فيها ، وبالتالي تحقيق التقدم الاقتصادي المنشود ( 13 ) .
أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) فترى إن الحوكمة احد عوامل تحسين الكفاية الاقتصادية والنمو الاقتصادي ، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين . وان وجود نظام حوكمة فعال في أي شركة وفي أي اقتصاد بشكل عام ، يساعد في توفير درجة من الثقة ضرورية لكي يعمل الاقتصاد بشكل جيد . ونتيجة لذلك تكون تكلفة رأس المال منخفضة ، وان الشركات تشجع على استعمال الموارد بكفاية أكثر ، وبذلك تعزز النمو الاقتصادي ( 14 ) . ويذهب رئيس البنك الدولي Wolfensohn ابعد من ذلك في تقييمه لأهمية حوكمة الشركات ، إذ انه يقول " إن حوكمة الشركات مهمة ألان في عالم الاقتصاد كأهمية حكم البلدان ( 15 ) .
وفي الجانب المحاسبي والرقابي تتجسد أهمية الحوكمة بما يأتي ( 16 ) :
1 . محاربة الفساد المالي والإداري في الشركات وعدم السماح بوجوده او
عودته مره أخرى .
2 . تحقق ضمان النزاهة والحيادية والاستقامة لكافة العاملين في الشركة
بدءا من مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين حتى أدنى مستوى
للعاملين فيها .
3 . تفادي وجود أخطاء عمديه أو انحراف متعمد كان أو غير متعمد ومنع
استمراره أو العمل على تقليله إلى أدنى قدر ممكن ، وذلك باستخدام
النظم الرقابية المتطورة .
4 . تحقيق الاستفادة القصوى من نظم المحاسبة والمراقبة الداخلية ،
وتحقيق فاعلية الإنفاق وربط الإنفاق بالإنتاج .
5 . تحقيق قدر كاف من الإفصاح والشفافية في الكشوفات المالية .
6 . ضمان أعلى قدر من الفاعلية لمراقبي الحسابات الخارجيين ، والتأكد من كونهم على درجة عالية من الاستقلالية وعدم خضوعهم لأية ضغوط من مجلس الإدارة أو من المديرين التنفيذيين .
أما على الصعيد الاجتماعي فيذكر مركز الحوكمة في الجامعة التكنولوجية في سدني ( UTS ) * إنها تهتم بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية . ويشجع إطار حوكمة الشركات الاستخدام الكفء للموارد وضمان حق المساءلة عن السيطرة عليها ، ويهدف إلى ربط مصالح الأفراد والشركات والمجتمع بشكل عام ( 17 ) . وفي ذات الاتجاه يؤكد Hitt et al. إن حوكمة الشركات ذات أهمية كذلك للشعوب ، إذ يرغب كل بلد أن تزدهر وتنمو الشركات العاملة ضمن حدوده لتوفير فرص العمل أو الخدمات الصحية ، والإشباع للحاجات الأخرى ، ليس لتحسين مستوى المعيشة فحسب بل لتعزيز التماسك الاجتماعي ( 18 ) .
مبررات حوكمة الشركات المملوكة للدولة وأهميتها
تكتسب الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، إذ انه على الرغم من الخصخصة التي شهدتها العديد من الدول ، إلا إن تلك الشركات لازالت مساهماتها تمثل جزءا أساسيا من إجمالي الناتج المحلي وتوفير فرص العمل ، وتظهر بشكل بارز في اقتصادات العديد من الدول ومنها العراق ، الذي بلغت نسبة مساهمة القطاع العام في إجمالي تكوين رأس المال الثابت للمدة 1997 – 2002 ( 88.7 % ، 83.9 % ، 86.4 % ، 89.7 % ، 91.1 % ، 81.7 % ) على التوالي ، في حين بلغت مساهمة القطاع الخاص فيه لنفس المدة ( 11.3 % ، 16.1 % ، 13.6 % ، 10.3 % ، 8.9 % ، 18.3 % ) على التوالي ( 19 ) . كما بلغت نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمدة 1997 – 2002 ( 77 % ، 73 % ، 81 % ، 85 % ، 79 % ، 74 % ) على التوالي . أما القطاع الخاص فقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمدة ذاتها ( 23 % ، 27 % ، 19 % ، 15 % ، 21 % ، 26 % )
عل ى التوالي *
أما مساهمة القطاع العام في القيمة المضافة الإجمالية للسنوات
1997 – 2002 فقد بلغت ( 78 % ، 73 % ، 81 % ، 86 % ، 80 % ، 75 % ) ، فيما بلغت مساهمة القطاع الخاص فيها للمدة عينها ( 22 % ،
27 % ، 19 % ، 14 % ، 20 % ، 25 % ) .
كما يبلغ عدد العاملين في هذه الشركات نحو ( 500000 ) شخص ، ويشكلون نسبة 12.5 % من إجمالي العاملين في العراق البالغ ( 4000000 ) شخص ( 20 ) .
يتضح مما تقدم إن قطاع الشركات العامة وكما هو الحال في العديد من دول العالم ، لا يزال يمثل القسم الأغلب من النشاط الاقتصادي باستثناء الزراعة ، إذ إن هذه الشركات تؤدي دورا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني ، وذلك من خلال توفير فرص العمل لعدد كبير من المواطنين ، ومساهمتها بنصيب كبير من الناتج المحلي الإجمالي والقيمة المضافة الإجمالية . لذلك إن أي إخفاق يتعرض له هذا القطاع سوف لا تنحصر آثاره في القطاع نفسه ، بل تمتد إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد الوطني ، والتي تعتمد على مخرجات هذا القطاع . وبناء على ما تقدم يجب تحليل ودراسة المشكلات التي يعاني منها ، وبخاصة مشكلة الفساد المالي والإداري التي استشرت فيه بشكل غير مسبوق ، ليس لغرض حماية هذه الشركات من الانهيار فحسب ، بل لحماية الشركات التابعة للقطاع الخاص التي تعتمد عليه بشكل كبير مصدرا لمدخلاتها أو سوقا لمخرجاتها ، وبالتالي حماية الاقتصاد الوطني كله .
ثالثا : مفهوم الفساد المالي والإداري
مما لاشك فيه إن الفساد المالي والإداري أصبح سمة بارزة من سمات العصر الحديث ، رغم إن نشأته تعود في جذورها إلى بداية الخليقة ونشأت البشرية ، وذلك بدلالة ما ورد في القران الكريم من قصص الخلائق ومنذ ادم عليه السلام ، إذ إن أول من بدأ بالإفساد هو إبليس الذي استأذن رب العزة تعالى ( قال ربي فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ( الآيات 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 من سورة ص ) . واليوم تعد ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ، وذات جذور تأخذ أبعادا واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ، وهو داء خطير يهلك الحرث والنسل لم تسلم منه أي دولة في العالم متقدمة كانت أم نامية ، ولكن بدرجات ونسب متفاوتة ، وهذا ما تؤكده العديد من الدراسات بان الفساد المالي والإداري يقل كثيرا في الدول ذات الاقتصاد القوي ، والمستوى المعيشي المرتفع ، بينما يرتفع بمعدلات و وتائر كبيرة في الدول النامية بصفة عامة ، وذات المستوى المعيشي المنخفض على وجه الخصوص . ويتجلى ذلك من خلال الأوجه العديدة للفساد المالي والإداري ، كانتشار الرشوة ، والتسيب بين الموظفين وضعف الإنتاجية وتفشي المحسوبية والوساطة وزيادة الروتين وتعقيد الإجراءات في تنفيذ المعاملات . سوف يتناول الباحث في هذه الفقرة مفهوم الفساد ، ومظاهره ، وأسبابه وآثاره وانعكاساته .
1 . مفهوم الفساد لغة واصطلاحا
لقد دأب معظم الباحثين الأكاديميين على تحديد معاني المصطلحات التي تستعمل في بحوثهم ، وذلك لكي لا تخرج النقاشات والتحليلات عن إطارها الموضوعي ويتشتت جهد الباحث بدلا من التركيز على نقاط محددة. وعليه سوف يتم تحديد معنى الفساد لغة وتعريفه اصطلاحا .
الفساد لغة : ورد الفساد في معاجم اللغة في ( فسد ) الشيء يفسد بضم السين ( فسادا ) فهو فاسد ، والمفسدة ضد المصلحة ( 21 ) . كما ورد الفساد في القران الكريم في مواضع عديدة ليدل على معاني مختلفة ، فقد ورد ليعبر عن ( الطغيان والتجبر ) ، كما في قوله تعالى ( الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) (الآية 83 من سورة القصص ) ، أو ( الجدب والقحط ) كما في قوله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الآية 41 من سورة الروم ) ، أو ( عصيان إطاعة الله ) كما في قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم ) (الآية 33 من سورة المائدة ) .
تعريف الفساد : لقد وردت تعاريف عديدة للفساد ، إذ لا يوجد تعريف واحد محدد له ، إلا أنها تمحورت جميعها على مضمون واحد وهو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . لقد ارتبط مفهوم الفساد في أذهان العديد من البشر بالشر ، و ربما يكون اصدق تعريف له هو الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية " الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق مكاسب خاصة ، ويشتمل ذلك على جميع أنواع رشاوى المسؤوليين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين ، ولكنه لا يتضمن الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع " ( 22 ) .
ويرى الباحث انه في إطار هذا البحث يمكن أن ينظر إلى الفساد المالي والإداري بأنه التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، الذي يمثل تقويضا للثقة العامة ، أو خرقا للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العام ، لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع ، وذلك بإعطاء أو اخذ الرشاوى أو الامتيازات ، وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسسات الرسمية .
2 . أسباب ظهور الفساد المالي والإداري
لا يمكن معالجة الظواهر السلبية التي تعاني منها المجتمعات مالم يتم تشخيص أسبابها وبواعث نشؤها . وقد حدد البنك الدولي World Bank مجموعة من الأسباب لظهور الفساد المالي والإداري أبرزها ما يأتي :
أ – تهميش دور المؤسسات الرقابية ، وقد تكون تعاني من الفساد هي
نفسها .
ب – وجود البيروقراطية في مؤسسات الدولة .
ج – حصول فراغ في السلطة السياسية ناتج عن الصراع من اجل
السيطرة على مؤسسات الدولة .
د – ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتهميش دورها .
هـ - توفر البيئة الاجتماعية والسياسية الملائمة لظهور الفساد .
إضافة إلى ما تقدم ، يمكن تحديد ثلاثة أبعاد لأسباب حدوث الفساد المالي والإداري وهي :
• البعد السياسي ، تتمثل أسباب الفساد الإداري والمالي بالإرادة السياسية الضعيفة التي تتعايش مع الفساد ، ولا تمتلك المبادرات لمكافحته ، فإنها حتى وان أعلنت عن إصلاحات ، فإنها تبقى من قبيل العبث ، ويصبح من ثم وجود المصلحين بلا معنى ، حتى وان توفرت لديهم الجدية والرغبة الصادقة في الإصلاح . وبدون الإرادة السياسية ، فان مواجهة الفساد ستقتصر على الشكل ليس إلا ، ويبقى دور المصلحين مقتصرا على المناشدات والنداءات والتمنيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع . وان غياب الإرادة السياسية يؤدي إلى غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية . وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي . كما تتعطل إلى حد بعيد آليات الرقابة في الدولة ويخبو وازع المساءلة والمحاسبة ، حيث إن الحكومة لا تحاسب الإدارة مع علمها بالفساد المستشري في أوصالها ، وان يد القضاء لا تطول المسؤولين في الدولة مهما قيل أو عرف أو شاع عنهم ، وان هيئات الرقابة تكون معطلة أما بفعل شدة الفساد الذي يتجاوز في أبعاده قدرتها ، أو لان دم الفساد اخذ يدب في عروق بعضها .
• البعد الاقتصادي ، يتمثل في البطالة وتدني الرواتب والأجور وتباين الدخول بشكل كبير وانخفاض مستو المعيشة بشكل عام ، فضلا عن غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة وكثرة الصفقات التجارية المشبوهة او الناتجة عن عمليات السمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزا واسعا .
• البعد الاجتماعي ، يتجلى عندما يغدو لكل شيء ثمن يقاس بالدنانير ، وعندما يغدو للقيام بواجب وظيفي معين ثمن ، و لإجراء معاملة مع إدارات الدولة ثمن ، ولتصريف أعمال الحكم ثمن ، وللكلمة في وسائل الإعلام ثمن ، ولحكم القضاء في بعض الحالات ثمن . وعندما يصبح لكل شيء ثمن ، فان الفساد قد أضحى في حياتنا العامة من صلب ثقافة المجتمع وبذلك يكون المجتمع في هذا الحال قد ابتلي بما نسميه ثقافة الفساد ، وعندما يكون الفساد من صلب ثقافة المجتمع يصعب علاجه . فالفساد لا ينتج إلا مزيدا من الفساد ، والفاسد لا يرى في فساد عيبا ، وهنا يشكل الفساد طوقا يحتاج إلى من يكسره بقوة خارقة .
3 . مظاهر الفساد المالي والإداري
ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة ، مدمرة للمجتمع ، وبوصفه يمثل احد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية ، فانه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد ، وغالبا ما تجد طريقها إلى خارج البلد ، بدلا من توظيفها داخل البلد لجلب المنفعة العامة .وان الفساد كالجرثومة الخبيثة تفترس الحكم الجيد وتقوض أركانه ، وتدمر الشرعية السياسية ، وتغتصب حقوق المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة السياسية ، بل يسهم في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي ، وتكون الخيارات والقرارات خاطئة ، فتتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة . وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به ، تهتز أركان الحكم وتنقص سيادة القانون ويتمادى مرتكبو الفساد في البحث عن وسائل أخرى جديدة للحصول على مزيد من الأموال بطرق غير مشروعة ، وعندما يتحكم الفساد بالمجتمع ويضرب أطنابه فيه ، تدخل البلاد في حلقة مفرغة ، حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه ، وعندها يتعذر السيطرة عليه بسهولة . وللفساد المالي والإداري مظاهر متعددة وآثار خطيرة .
أ – مظاهر الفساد المالي والإداري
للفساد المالي والإداري مظاهر وتجليات سياسية ومالية وإدارية وأخلاقية .
ففي الجانب السياسي ، يتجلى الفساد في الحكم الشمولي الفاسد ، وفقدان الديمقراطية وفقدان المشاركة وفساد الحكام وسيطرة نظام الحكم على الاقتصاد وتفشي المحسوبية .
وفي الجانب المالي ، يتمثل الفساد بالانحرافات المالية وعدم الالتزام بالقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية . وتتجسد مظاهر الفساد المالي بالرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحسوبية في التعيينات والمراكز الوظيفية .
أما الفساد الإداري ، فانه يتعلق بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية التي تصدر عن الموظفين العموميين أثناء تأديتهم لمهام عملهم ، وتتجسد مظاهر الفساد الإداري في التسيب لدى الموظفين وعدم احترام الوقت وتمضيته في أمور لا علاقة لها بمهام الوظيفة واستحقاقاتها ، وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار العمل وغبرها .
وفي الجانب الأخلاقي ، يتمثل الفساد بالانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي يقوم بها موظفي الدولة ، والمتعلقة بسلوكهم الشخصي وتصرفاتهم المتمثلة باستغلال الوظيفة لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة و ممارسة المحسوبية دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة عند تعيين الموظفين .
ب – آثار الفساد المالي والإداري
إن للفساد المالي والإداري تكلفة ، وخاصة في الشركات العامة ، حيث يتم الحصول على مكاسب مالية وامتيازات أخرى على حساب المجتمع . وتتمثل تكاليف الفساد المالي والإداري في الزيادة المباشرة التي تطرأ على تكلفة المعاملة ، ومن ثم على السعر الذي يدفعه المستهلك للسلع أو المستفيد من الخدمات التي تقدمها الجهة التي تدفع الرشوة . إن الزيادة في التكلفة لا تعد بأي حال من الأحوال الجانب الأكثر خطورة من الجوانب الأخرى ، فعندما يكون احتمال الحصول على مكاسب شخصية عنصرا من العناصر ، فانه يتحول سريعا ليكون العنصر الأوحد الهام في المعاملة ، مع إزاحة عناصر التكلفة والنوعية ، وموعد وكيفية التسليم ، وجميع الاعتبارات القانونية الأخرى جانبا عند الموافقة على منح العقود . وينتج عن ذلك اختيار موردين غير مناسبين ، أو مقاولين غير ملائمين ، بالإضافة إلى شراء السلع غير المناسبة . وبناء على ذلك يتم إعطاء الأولوية للمشروعات الغير ضرورية على حساب الأولويات الوطنية الهامة بدون سبب سوى تمكين متخذي القرار الحكوميين من الحصول على رشاوى كبيرة وسريعة . وبصفة عامة يمكن تلمس بعض الآثار الاقتصادية للفساد ومنها ( 3 ) :
• يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها .
• للفساد اثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا ، فقد أثبتت الدراسات إن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها ، وبالتالي يسهم في تدني حجم الضرائب ومن ثم تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة
• يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بشكل مستمر مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع .
رابعا : دور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي
والإداري
يعد الفساد المالي والإداري من اخطر المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة بصفة عامة ، والشركات المملوكة للدولة بصفة خاصة . ويتمثل الفساد المالي والاداري بالمكاسب والامتيازات التي يتم الحصول عليها بشكل غير مشروع ، والتي سبق وان أشار أليها الباحث آنفا ، ويترتب عليها تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي التي تقدمها ، مما يضعف قدرتها على التنافس والبقاء ، وبالتالي تآكل رأس المال . وبدلا من أن تكون هذه الشركات احد محركات الاقتصاد وعامل من عوامل النمو ، تصبح عبئا على الاقتصاد الوطني يتحمله المجتمع بأسره . تؤدي حوكمة الشركات دورا مهما في معالجة المشكلات التي تعاني منها هذه الشركات ، والتي من أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات صنفها كل من Hess و Impavido إلى آليات حوكمة داخلية وأخرى خارجية . سيتم تناول هذه الآليات بشكل مختصر وكما يأتي (24 ):
1 . الآليات الداخلية لحوكمة الشركات
تنصب آليات حوكمة الشركات الداخلية على أنشطة وفعاليات الشركة ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الشركة . ويمكن تصنيف آليات حوكمة الشركات الداخلية إلى ما يأتي :
أ – مجلس الإدارة
يذكر كل من Singh و Harianto إن الناشطين في مجال حوكمة الشركات والباحثين والممارسين يعدون مجلس الإدارة أحسن أداة لمراقبة سلوك الإدارة ، إذ انه يحمي رأس المال المستثمر في الشركة من سوء الاستعمال من قبل الإدارة ، وذلك من خلال صلاحياته القانونية في تعيين وإعفاء ومكافأة الإدارة العليا . كما إن مجلس الإدارة القوي يشارك بفاعلية في وضع إستراتيجية الشركة ، ويقدم الحوافز المناسبة للإدارة ، ويراقب سلوكها ويقوم أدائها ، وبالتالي تعظيم قيمة الشركة ( 25 ) . ولكي تكون هذه المجالس فعالة ينبغي أن تكون في الموقف الذي يؤهلها للعمل لمصلحة الشركة ، وفي ذات الوقت تأخذ الأهداف الاجتماعية للشركة بعين الاعتبار ، كما يجب أن تمتلك السلطة اللازمة لممارسة أحكامها الخاصة بعيدا عن التدخلات السياسية والبيروقراطية في شؤونها ، وتقوم باختيار الإدارة العليا ، فضلا عن الإشراف المستمر على أداء الشركة والإفصاح عن ذلك ( 26 ) . وفي هذا السياق يأتي تأكيد ( PSCGT ) * على ضرورة أن تقاد كل شركة من الشركات المملوكة للدولة بمجلس إدارة فعال ، يمارس القيادة ويوجه الشركة بنزاهة وحكمة ويعمل لمصلحة الشركة بشفافية ومسؤولية ( 27 (.
ولكي يتمكن مجلس الإدارة في الشركة المملوكة للدولة من القيام بواجباته في التوجيه والمراقبة ، يلجا إلى تأليف مجموعة من اللجان من بين أعضائه من غير التنفيذيين ، أبرزها ما يأتي ( 28 ):
لجنة التدقيق
لقد حظيت لجنة التدقيق في الوقت الحاضر باهتمام بالغ من قبل الهيئات العلمية الدولية ، والمحلية المتخصصة والباحثين ، وبخاصة بعد الإخفاقات والاضطرابات المالية التي حصلت في الشركات العالمية . ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي يمكن أن تؤديه لجنة التدقيق كأداة من أدوات حوكمة الشركات في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها الشركات ، وذلك من خلال دورها في إعداد التقارير المالية وإشرافها على وظيفة التدقيق الداخلي في الشركات ، وكذلك دورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها ، فضلا عن دورها في التأكيد على الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات .
لقد ظهر مفهوم هذه اللجنة بعد الانهيارات المالية لبعض الشركات الكبير كما تم ذكره . ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم إصدار قانون Sarbanse Oxley Act في سنة 2002 ، الذي ألزم جميع الشركات بتشكيل لجنة التدقيق لما لها من دور هام في منع حدوث تلك الانهيارات المالية في المستقبل ، وذلك من خلال دورها في عملية إعداد القوائم المالية وكذلك في زيادة استقلالية كل من المدقق الداخلي والخارجي .
أما في المملكة المتحدة فقد صدر عددا من التوصيات بتشكيل هذه اللجنة ، من أبرزها تقرير Smith Report في سنة 2003 ، الذي تضمن العديد من التوصيات الخاصة بدور ومسؤوليات لجنة التدقيق وكيفية الإفصاح عن هذه المسؤوليات في التقارير السنوية للشركات ( 29 ) . وتجدر الإشارة إلى انه هناك العديد من الدول الأخرى مثل كندا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وماليزيا وسنغافوره قد ظهر فيها مفهوم هذه اللجنة منذ سنوات عديدة ، وتطور هذا المفهوم بعد صدور العديد من التوصيات والمقترحات لحل المشكلات التي تواجهها هذه اللجنة في الواقع العملي ، وبالشكل الذي أصبحت هذه اللجان في الوقت الحاضر أداة هامة من أدوات حوكمة الشركات .
وعن تشكيل لجنة التدقيق في الشركات المملوكة للدولة ، فإنها على وفق المعلومات التي توفرت للباحث قد ظهرت الدعوة إليها لأول مرة في توصيات تقرير King Report * في جنوب أفريقيا في سنة 1994 وتلا ذلك صدور العديد من التوصيات لتأليف مثل هذه اللجنة في العديد من الدول . وقبل التطرق إلى أهمية هذه اللجنة والواجبات التي تقوم بها ، لابد من الإشارة إلى المقصود بها . ونظرا لتعدد التعاريف في أدبيات التدقيق لهذه اللجنة ، سوف يكتفي الباحث بإيراد تعريفين احدهما لإحدى الهيئات المهنية والآخر لأحد الباحثين .
• لقد عرفت لجنة التدقيق من قبل الهيأة الكندية للمحاسبين القانونيين ( CTCA )* بأنها " لجنة مكونة من أعضاء مجلس إدارة الشركة الذين تتركز مسؤولياتهم في مراجعة القوائم المالية السنوية قبل تسليمها إلى مجلس الإدارة ، وتتلخص نشاطاتها في ترشيح المدقق الخارجي ومناقشة نطاق ونتائج التدقيق معه ، وكذلك مراجعة نظام الرقابة الداخلية للشركة والتأكد من فاعليته ، وكذلك التأكد من تطبيق قواعد حوكمة الشركات في الشركة ( 31 ) .
• كما عرفها ( ميخائيل ) بأنها لجنة منبثقة عن مجلس الإدارة ، تتكون من عدد من الأعضاء غير التنفيذيين ، ويحضر اجتماعات هذه اللجنة المدققون الداخليون والخارجيون إذا اقتضى الأمر ذلك ، وتفوض هذه اللجنة صلاحيات العمل طبقا للأحكام التي يقررها مجلس الإدارة ، وترفع تقاريرها الدورية إلى رئيس مجلس الإدارة ( 32 ).
ويتضح للباحث من خلال التعاريف السابقة انه يتم تعريف هذه اللجنة في ضوء عضويتها ومسؤولياتها ، وإنها تتميز بأنها منبثقة عن مجلس الادارة وتقتصر عضويتها على أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين ، والذين تتوافر لديهم الاستقلالية والخبرة في مجال المحاسبة والتدقيق ، وتتعلق مسؤوليتها بتدقيق عمليات إعداد التقارير المالية ومراجعة عمليات التدقيق الداخلي والخارجي ، وكذلك مراجعة الالتزام بتطبيق قواعد حوكمة الشركات من قبل إدارة الشركة .
وظائف وواجبات ( مسؤوليات ) لجنة التدقيق
سبق وان أشار الباحث إلى إن إحدى أهم مسؤوليات لجنة التدقيق هي التأكد من تطبيق قواعد الحوكمة على ارض الواقع ، والذي يتم من خلال مجموعة من الآليات ، كما إن وجود نظام رقابة داخلية يعد من أهم مسؤوليات مجلس الإدارة ، ويتمثل الدور الرئيسي للجنة التدقيق فيما يتصل بهذا النظام بالتحقيق من كفايته ، وفاعلية تنفيذه وتقديم التوصيات إلى مجلس الإدارة ، والتي من شانها تفعيل النظام وتطويره ، بما يحقق أغراض الشركة ويحمي مصالح المالكين وبقية أصحاب المصالح بكفاية عالية وتكلفة معقولة . وتقترح PSCGT الوظائف التالية للجنة التدقيق ((33:
• مراجعة الكشوفات المالية قبل تقديمها إلى مجلس الإدارة .
• التوصية بتعيين ومكافأة وإعفاء المدقق الخارجي .
• مناقشة نطاق وطبيعة الأولويات في التدقيق والاتفاق عليها .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين لأية تحفظات أو مشكلات تنشأ أثناء عملية التدقيق .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين والداخليين لتقويم فاعلية نظام الرقابة الداخلية في الشركة وإدارة المخاطر فيها .
• الإشراف على وظيفة التدقيق الداخلي ومراجعة التقارير التي تقدمها والنتائج التي تتوصل إليها وتقديم التوصيات للإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة .
• القيام بأية واجبات تكلف بها من قبل مجلس الإدارة ، والتي لها صلة بأعمال التدقيق والرقابة .
لجنة المكافآت
توصي اغلب الدراسات الخاصة بحوكمة الشركات والتوصيات الصادرة عن الجهات المهتمة بها بأنه يجب أن تشكل لجان المكافآت من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين. وفي مجال الشركات المملوكة للدولة فقد تضمنت إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) تأكيدا على ضرورة أن تكون مكافآت أعضاء مجلس الإدارة و الإدارة العليا معقولة ، وذلك لضمان تعزيز مصالح الشركة في الأمد البعيد من خلال جذب المهنيين من ذوي الكفاءات العالية .
وظائف لجنة المكافآت وواجباتها
تتركز وظائف لجنة المكافآت وواجباتها في تحديد الرواتب والمكافآت والمزايا الخاصة بالإدارة العليا لذا فان Mintz حدد تلك الواجبات بما يأتي ( 34 ) :
- تحديد والمكافآت والمزايا الأخرى للإدارة العليا ، و مراجعتها والتوصية
لمجلس الإدارة بالمصادقة عليها .
- وضع سياسات لإدارة برامج مكافأة الإدارة العليا و مراجعة هذه
السياسات بشكل دوري .
- اتخاذ خطوات لتعديل برامج مكافآت الإدارة العليا التي ينتج عنها دفعات
لا ترتبط بشكل معقول بأداء عضو الإدارة العليا .
- وضع سياسات لمزايا الإدارة ومراجعتها باستمرار .
لجنة التعيينات
يجب أن يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة والموظفين من بين أفضل المرشحين الذين تتلاءم مهاراتهم وخبراتهم مع المهارات والخبرات المحددة من الشركة . ولضمان الشفافية في تعيين أعضاء مجلس الإدارة وبقية الموظفين فقد وضعت PSCGT لهذه اللجنة مجموعة من الواجبات هي :
– أن تقوم لجنة التعيينات في الشركة مع مجلس الإدارة وبمصادقة الوزير
المختص بوضع المهارات والخبرات المطلوب توافرها لدى عضو مجلس
الإدارة والموظفين المطلوبين .
– يجب على لجنة التعيينات أن تضع آليات شفافة للتعيين، بما يضمن
الحصول على أفضل المرشحين المؤهلين .
– أن تقوم اللجنة مع بقية أعضاء مجلس الإدارة بتقويم المهارات المطلوبة
للشركة باستمرار .
– يجب أن تقوم اللجنة بالإعلان عن الوظيفة المطلوب إشغالها ، ودعوة
المؤهلين لتقديم طلباتهم للتعيين.
– على اللجنة أن تتوخى الموضوعية ، وذلك بمقارنة مؤهلات ومهارات
المتقدم مع المواصفات الموضوعة من الشركة .
ب- التدقيق الداخلي
تؤدي وظيفة التدقيق الداخلي دورا مهما في عملية الحوكمة ، إذ إنها تعزز هذه العملية ، وذلك بزيادة قدرة المواطنين على مساءلة الشركة . حيث يقوم المدققون الداخليون من خلال الأنشطة التي ينفذونها بزيادة المصداقية ، العدالة ، تحسين سلوك الموظفين العاملين في الشركات المملوكة للدولة وتقليل مخاطر الفساد الإداري والمالي . وفي هذا السياق يرى Archambeault إن كل من التدقيق الداخلي والخارجي يعد آلية مهمة من آليات المراقبة ضمن إطار هيكل الحوكمة ، وبشكل خاص فيما يتصل بضمان دقة ونزاهة التقارير المالية ومنع واكتشاف حالات الغش والتزوير ( 35 ) . وقد اعترفت الهيئات المهنية والتنظيمية بأهمية وظيفة التدقيق الداخلي في عملية الحوكمة . فقد أكدت لجنة كادبيريCadbury committee على أهمية مسؤولية المدقق الداخلي في منع واكتشاف الغش والتزوير (36 ) . ولتحقيق هذه الوظيفة لأهدافها ، يجب أن تكون مستقلة وتنظم بشكل جيد وتستند إلى تشريع خاص بها .
وفي هذا الاتجاه يؤكد Cohen et al. على انه يتم تقوية استقلالية هذه الوظيفة عندما ترفع تقاريرها إلى لجنة التدقيق بشكل مباشر وليس إلى الإدارة . يضاف إلى ذلك يمكن أن تزداد فاعلية لجنة التدقيق الداخل
لقد أثبتت الانهيارات والفضائح المالية ، التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال بشكل خاص ، في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وروسيا ، واليابان ودول شرق آسيا فشل الأساليب التقليدية في منع مسببات تلك الانهيارات والفضائح ، والتي كان لظهورها آثار مدوية ونتائج مدمرة ، الأمر الذي دفع الجهات المعنية وعلى المستويين الوطني والدولي إلى إجراء دراسات معمقة لتحديد الأسباب الرئيسة التي كانت وراء حدوث الأزمات والانهيارات المشار إليها في أعلاه ، والتي كانت ترتبط بشكل كبير بالجوانب المحاسبية والتدقيقية .
وكانت الحوكمة والياتها ثمرة هذه الدراسات لمنع حدوث مثل هذه الأزمات أو الحد منها في اقل تقدير ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات ، من أبرزها الشفافية والإفصاح عن المعلومات المالية وغير المالية وإعدادها وفقا للمعايير المحاسبية ذات الصلة ، وكذلك تعزز دور وظيفتي التدقيق الداخلي والخارجي ، وبخاصة ما يتصل باستقلالية هاتين الوظيفتين وتشكيل لجنة التدقيق من مجلس الإدارة للإشراف عليهما .
تكتسب الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، وذلك لأنها مازالت تؤدي دورا مؤثرا في النشاط الاقتصادي في العديد من دول العالم ، ومنها العراق ، وتمثل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي ، وتوفر فرص العمل ، فضلا عن إنها غالبا ما تكون مسيطرة في الصناعات ذات المنافع العامة ، مثل الطاقة ، والنقل والاتصالات وغيرها . وان اداء هذه الشركات ذو أهمية كبيرة لعموم المواطنين ، هذا من جانب ، ومن جاني اخر ، اذا ما قررت الدولة خصخصة قسم من هذه الشركات ، فان الحوكمة تعد متطلبا أساسيا من متطلبات الخصخصة ، وذلك لتشجيع المستثمرين على شراء هذه الشركات والاستثمار فيها ، وضمان الحصول على اكبر عائد ممكن من عملية الخصخصة ، وذلك بمنع حالات الفساد المالي والإداري التي قد تكون مرتبطة بذلك .
وقد تمثلت المشكلة التي حاول البحث التصدي لها بافتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تعاني منها هذه الشركات .
ويهدف البحث إلى التاطير الفكري لمفهوم الحوكمة ، وذلك بتعريفها واستعراض نشأتها وتطورها ومبرراتها ، وكذلك تناول موضوع الفساد المالي والإداري ، وذلك بتعريفه وبيان أسباب حدوثه وابرز مظاهره ونتائجه ، ومن ثم التطرق إلى دور آليات الحوكمة في الحد منه .
ولأجل تحقيق أهداف البحث ، فقد قسم إلى ست فقرات ، خصصت الأولى منها لمنهجية البحث ، فيما كرست الثانية لمفهوم الحوكمة والياتها . وتناولت الفقرة الثالثة مفهوم الفساد المالي والإداري . أما الفقرة الرابعة فقد خصصت لدور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي والإداري . واختتم الباحث بحثه بجملة من الاستنتاجات والتوصيات تناولتها الفقرتين الخامسة والسادسة .
أولا : منهجية البحث
1 . مشكلة البحث
تواجه اقتصادات العديد من الدول وخاصة تلك التي تمر بمرحلة انتقالية ،سواء كانت سياسية ، مثل التحول من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية ، أو اقتصادية ، مثل التحول من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق تحد كبير يتمثل بزيادة فرص ممارسة الفساد المالي والإداري ، وما يساعد على ذلك هو عدم اكتمال بناء المؤسسات الوطنية والقوانين التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين ، مستغلين ضعف الأجهزة الرقابية والقضائية في موجهة هذا الخطر الداهم .
لذا فان مشكلة البحث التي يحاول البحث التصدي لها تتركز في افتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تهاني منها هذه الشركات .
2 . هدف البحث
يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على مفهوم حوكمة الشركات ، نشأتها وتطورها ، أهميتها ومبرراتها ، وكذلك استعراض أهم آلياتها مع التركيز على دور لجان التدقيق في مجالس الإدارة باعتبارها ابرز دعائم تحقيق هذا المفهوم الجديد ، وعلاقة هذه اللجان باليتين اخريتين هما التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي . كما انه يهدف إلى لفت الانتباه جميع الجهات المسؤولة إلى خطر الفساد المالي والإداري ، وذلك بعد تحديد مفهومه وأسباب ظهوره ، واهم مظاهره ونتائجه على الاقتصاد الوطني بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام ، ودور آليات حوكمة الشركات في الحد منه .
3 . أهمية البحث
يستمد هذا البحث أهميته من جانبين :
الأول ، ويتمثل بخطورة الفساد المالي والإداري الذي استشرى في مؤسسات الدولة ومنها الشركات المملوكة لها ، وما يتركه من آثار كبيرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم على المجتمع بأسره .
الثاني ، هو تزايد الاهتمام بموضوع حوكمة الشركات في السنوات الأخيرة ، وكون أسسها ومبادئها والياتها تعد من المفاهيم الحديثة على المستوى العالمي بصفة عامة ، وعلى المستوى المحلي بصفة خاصة . وان الوعي بهذه المفاهيم وتطبيقاتها يؤدي إلى تحقيق قدر كبير من الشفافية والعدالة ، وكذلك منح حق مساءلة الشركة ، وبالتالي حماية حقوق الدولة وجميع أصحاب المصالح فيها ، والحد من مشكلة الفساد المالي والإداري ، الذي يتمثل بشكل كبير في استغلال السلطة والوظيفة في غير المصلحة العامة ، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة أداء هذه الشركات وتعظيم قيمتها وبالتالي توسعها وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين .
4 . أسلوب البحث
يعتمد البحث على النهج الوصفي التحليلي Analytical Descriptive Approach لموضوع الدراسة، وهذا المنهج معمول به في كثير من البحوث والدراسات ، خاصة تلك التي تتناول ظواهر اجتماعية تتعلق بالممارسات اليومية ، حيث تم الاطلاع على عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المتخصصة ، وكذلك المنشورة على شبكة الانترنت ، بالإضافة إلى الاطلاع على آليات وقواعد الحوكمة الصادرة عن المنظمات والهيئات العالمية والمحلية ، وأخضعت للتحليل والمناقشة بما يخدم أهداف البحث ، ومن ثم اقتراح بعض التوصيات التي قد تساهم في اعطاء مرجعية مفيدة للشركات العراقية .
ثانيا : مفهوم الحوكمة
لقد أصبحت حوكمة الشركات من المصطلحات الأكثر شيوعا في قاموس الأعمال العالمي الحديث . وهذا يثير تساؤلا " هل إن حوكمة الشركات مكون حيوي من مكونات منشات الأعمال الناجحة أم إنها مجرد بدعة أخرى سوف تضمحل وتتلاشى عبر الزمن ؟ " ، والواقع إن هذا المصطلح اوجد ذاته وفرض نفسه قسرا أو طواعية ، حيث أوجدته ظروف غير مستقره ، واضطرابات قلقة وحوادث عنيفة اجتاحت بعض أسواق المال والأعمال ، وألقت عليها بظلال من الشكوك ، وألوان من القلق والهواجس ، ونشرت معها الكثير من التساؤلات الحائرة حول مصداقية البيانات التي تصدر عن هذه الشركات ، ومدى إمكانية الاعتماد عليها بصفة خاصة في اتخاذ أي قرار ، أو التعويل على المعلومات المنشورة بصفة عامة ، وصدقها في التعبير عن حقيقة أوضاع الشركات .
ولا تقتصر أهمية الحوكمة على أولائك المتعاملين في أسواق رأس المال ( بائعين ، ومشترين ، و وسطاء ، و شركات معلومات ) ، والموردين ، و والمقرضين ، والممولين من المصارف وشركات التمويل ، بل امتدت إلى منشات الأعمال ، والحكومات والدول ، والمؤسسات الدولية ، خاصة بعد الانهيارات التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، المملكة المتحدة ، و روسيا ، و اليابان ودول شرق آسيا . وكان لظهور هذه الفضائح آثار ونتائج مدمرة ، أدت إلى بروز أهمية الحوكمة .
وفي ضوء ما تقدم تتناول هذه الفقرة موضوع الحوكمة من خلال التعرض لمفهومها وأهميتها ومبرراتها .
1 . فكرة ومعنى الحوكمة
أ – نشأت و تطور فكرة حوكمة الشركات
إن حوكمة الشركات Corporate Governance عبارة عن مصطلح تم البدء في استخدامه مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي ، حيث تزايد استخدام هذا المصطلح بشكل واسع في السنوات الأخيرة منه ، وأصبح شائع الاستخدام من قبل الخبراء ، لاسيما أولائك العاملون في المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية . يشير ( سليمان ) إلى إن ظهور نظرية الوكالة * Agency Theory وما ارتبط بها من إلقاء الضوء على المشكلات التي تنشأ نتيجة تضارب المصالح بين أعضاء مجالس إدارة الشركات وبين المالكين إلى زيادة الاهتمام والتفكير في ضرورة وجود مجموعة من القوانين واللوائح التي تعمل على حماية مصالح المساهمين والحد من التلاعب المالي والإداري الذي قد يقوم به أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية بهدف تعظيم مصالحهم الخاصة ، وذلك باعتبارهم الجهة التي تمسك بزمام الأمور داخل الشركة (1 (.
أما عن جذور فكرة حوكمة الشركات فتشير ( أبو العطا ) إلى إنها تعود إلى Berle & Means اللذين يعدان أول من تناولا موضوع فصل الملكية عن الإدارة ، وذلك في سنة 1932 . وتأتي حوكمة الشركات لسد الفجوة التي يمكن أن تحدث بين مديري ومالكي الشركة من جراء الممارسات السلبية التي من الممكن أن تضر بالشركة وبالصناعة كلها (2. (وفي هذا السياق يأتي تأكيد Mitchel et al. و Monks & Minow بعد فترة من الزمن على إمكانية حل مشكلات الوكالة أو تخفيفها ، وذلك من خلال التطبيق الجيد لآليات حوكمة الشركات (4 ) و (5 ) .
وقد أكدت العديد من الدراسات على أهمية الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات وأثرها في زيادة ثقة المستثمرين في أعضاء مجالس إدارة الشركات ، وبالتالي قدرة الدول على جذب مستثمرين محليين أو أجانب ، وما يترتب على ذلك من تنمية اقتصادات تلك الدول . وصاحب ذلك قيام العديد من دول العالم والمنظمات الدولية بالاهتمام بمفهوم حوكمة الشركات ، وذلك من خلال قيام الهيئات العلمية ، والجهات التشريعية بإصدار مجموعة من اللوائح والقوانين والتقارير والقواعد التي تؤكد على أهمية التزام الشركات بتطبيق تلك المبادئ .
ب – معنى الحوكمة
لاشك انه هناك العديد من المصطلحات في اللغة الانكليزية نجد لها معنى واضحا ومتفقا عليه إلى حد الإجماع في اللغة العربية . ولكن في مقابل ذلك هناك العديد من المفاهيم التي لا توجد لها ترجمة حرفية في اللغة العربية ، تعكس ذات المعنى والدلالات التي تعكسها اللغة الانكليزية ، وان احد الأمثلة الحية على هذه المفاهيم هو مصطلح Governance . وعلى المستوى المحلي والإقليمي لم يتم التوصل إلى مرادف متفق عليه في اللغة العربية لهذا المصطلح ، كما إن اقتران هذا المصطلح مع كلمة Corporate أعطاه أكثر من مدلول . وفي هذا السياق يذكر (الصالح ) انه وجد خمسة عشر معنى في اللغة العربية لتفسير المصطلح المذكور وهي ( حوكمة الشركة ، و حاكمية الشركة ، و حكما نية الشركة ، و التحكم المشترك ، و التحكم المؤسسي ، و الإدارة المجتمعة ، و ضبط الشركة ، و السيطرة على الشركة ، و المشاركة الحكومية ، و إدارة شؤون الشركة ، و الشركة الرشيدة ، و توجيه الشركة ، و الإدارة الحقة للشركة ، و الحكم الصالح للشركة ، و أسلوب ممارسة سلطة الإدارة(6 ). ولأغراض هذا البحث سوف يعتمد الباحث مصطلح حوكمة الشركات على Corporate Governance ، الذي يرمز له اختصارا ( CG ) ، الذي حدده المجمع العلمي المصري ، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من الأسانيد اللغوية والعلمية (7 ) .
وقد تعددت التعاريف المقدمة لهذا المصطلح بحيث يدل كل منها عن وجهة النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف ، إذ لا يوجد على المستوى العالمي تعريف موحد متفق عليه بين المحاسبين والإداريين والقانونيين والمحللين الماليين لمفهوم حوكمة الشركات Corporate Governance 8 ) ) . و تقع التعاريف الموجودة لحوكمة الشركات في إطار طيف واسع من المضامين ، إذ تتباين التعاريف من تلك التي تعبر عن وجهة نظر ضيقة في طرف من أطرافه إلى التعاريف التي تنطلق لتعبر عن وجهات نظر أوسع نطاقا وأكثر شمولا في الطرف الآخر منه . سوف يضعها الباحث بحسب محاور الاهتمام التي انطوت عليها وكما يأتي :
* التعاريف التي تركز على العلاقة بين الشركة والمالكين وتوجيه
أدائها .
تنسجم هذه التعاريف مع أنموذج التمويل التقليدي ، معبرا عنه بنظرية الوكالة بشكلها المبسط . إذ إنها تركز على المالكين ودورهم في الرقابة على أداء الشركات وتوجيهها . وعلى وفق هذا المنظور عرفتها مبادرة Berlin بأنها " المجموعة الكاملة من الترتيبات التشريعية والمؤسسية التي تحدد الإطار التنظيمي الواقعي والقانوني لإدارة الشركة والإشراف عليها " ( 9 ) .
ويرى الباحث إن التعاريف التي تقع في هذا الإطار قد أغفلت بيان المفاهيم الأساسية التي هي بمثابة الأعمدة التي تركز عليها عملية الحوكمة وهي المساءلة ، و الشفافية ، والنزاهة ، و الإنصاف ومسؤولية جميع الأطراف المشاركة وحماية حقوق جميع أصحاب المصالح في الشركة .
* التعاريف التي تتمحور في تحديد الأطراف ذات العلاقة وتحديد
مسؤوليات وواجبات وصلاحيات كل منها .
ينظر إلى حوكمة الشركات على وفق هذه التعاريف كشبكة من العلاقات ، ليس فقط بين الشركة ومالكيها ، بل بين الشركة ومجموعة كبيرة من أصحاب المصالح الآخرين Stakeholders ( العاملين ، و الزبائن ، و المجهزين ، والمقرضين ، ...الخ ) . كما إنها تنسجم مع نظرية أصحاب المصالح ، التي هي الشكل الموسع لنظرية الوكالة . وفي هذا السياق يأتي تعريف Sir Adrian Cadbury ، الذي عرفها بأنها " تعنى بإقامة التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ، بين الأهداف الفردية والجماعية ، وان إطار حوكمة الشركات هنا لتشجيع الاستخدام الكفء للموارد وطلب المساءلة عن الوصايا عليها . وان الهدف هو الربط قدر الإمكان لمصالح الأفراد والشركات والمجتمع كله " ( 10 ) .
* التعاريف التي تركز على أهداف الشركات والبعد الستراتيجي
لها .
تركز التعاريف في إطار هذا المضمون على أهداف الشركة ، ورسم الاتجاه الستراتيجي لها ، للسيطرة على متغيرات بيئتها الداخلية والاستعداد لمواجهة متغيرات البيئة الخارجية والتكيف معها ، وذلك لتحقيق مطالب أصحاب المصالح ، وديمومة بقاء الشركة . وفي هذا الاتجاه يعرف Hitt et al. حوكمة الشركات بأنها " تمثل العلاقات بين أصحاب المصالح ، والتي تستخدم لتحديد الاتجاه الستراتيجي للشركة والرقابة على أدائها . وان حوكمة الشركات في جوهرها تهتم بتحديد طرق لضمان اتخاذ القرارات الستراتيجية في الشركة بشكل فعال( 11 ).
وللتأكيد على دور أصحاب المصالح في الإشراف على المخاطر وإدارتها في الشركة ، يعرف كل من Hermanson و Rittenberg حوكمة الشركات بأنها " عمليات تتم من خلال إجراءات تتخذ من قبل أصحاب المصالح لتوفير إشراف على المخاطر وإدارتها من خلال الإدارة ومراقبة مخاطر المنظمة والتأكيد على كفاية الضوابط الرقابية لتجنب هذه المخاطر ، مما يؤدي إلى المساهمة المباشرة في انجاز أهداف الشركة وحفظ قيمها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن أداء أنشطة الحوكمة يكون من مسؤولية أصحاب المصالح فيها ، لتحقيق فعالية رعاية العهدة Stewardship " (12 ) .
2 . اهمية ومبررات الحوكمة
لقد تعاظمت في الآونة الأخيرة أهمية حوكمة الشركات بشكل كبير لتحقيق التنمية وتعزيز الرفاهية الاقتصادية للشعوب . إذ برزت هذه الأهمية بعد ألازمة المالية الآسيوية 1997 – 1998 ، والانهيارات والفضائح التي طالت كبريات الشركات ، مثل شركة انرون Enron للطاقة وما تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية التي كانت لا تعبر عن الواقع الفعلي لها ، وذلك بالتواطؤ مع كبرى الشركات العالمية الخاصة بالتدقيق والمحاسبة ، وهو ما جعل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD * تصدر مجموعة من القواعد لحوكمة الشركات الخاصة في سنة 2004 ولحوكمة الشركات المملوكة للدولة في سنة 2005 .
فعلى الصعيد الاقتصادي أخذت تتنامى أهمية القواعد السليمة لحوكمة الشركات ، وهو الأمر الذي أكده Winkler بشدة ، حيث أشار إلى أهمية حوكمة الشركات في تحقيق التنمية الاقتصادية وتجنب الوقوع في مغبة الأزمات المالية ، وذلك من خلال ترسيخ عدد من معايير الأداء ، بما يعمل على تدعيم الأسس الاقتصادية في الأسواق وكشف حالات التلاعب والفساد المالي والإداري وسوء الإدارة ، بما يؤدي إلى كسب ثقة المتعاملين في هذه السواق ، والعمل على استقرارها والحد من التقلبات الشديدة فيها ، وبالتالي تحقيق التقدم الاقتصادي المنشود ( 13 ) .
أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) فترى إن الحوكمة احد عوامل تحسين الكفاية الاقتصادية والنمو الاقتصادي ، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين . وان وجود نظام حوكمة فعال في أي شركة وفي أي اقتصاد بشكل عام ، يساعد في توفير درجة من الثقة ضرورية لكي يعمل الاقتصاد بشكل جيد . ونتيجة لذلك تكون تكلفة رأس المال منخفضة ، وان الشركات تشجع على استعمال الموارد بكفاية أكثر ، وبذلك تعزز النمو الاقتصادي ( 14 ) . ويذهب رئيس البنك الدولي Wolfensohn ابعد من ذلك في تقييمه لأهمية حوكمة الشركات ، إذ انه يقول " إن حوكمة الشركات مهمة ألان في عالم الاقتصاد كأهمية حكم البلدان ( 15 ) .
وفي الجانب المحاسبي والرقابي تتجسد أهمية الحوكمة بما يأتي ( 16 ) :
1 . محاربة الفساد المالي والإداري في الشركات وعدم السماح بوجوده او
عودته مره أخرى .
2 . تحقق ضمان النزاهة والحيادية والاستقامة لكافة العاملين في الشركة
بدءا من مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين حتى أدنى مستوى
للعاملين فيها .
3 . تفادي وجود أخطاء عمديه أو انحراف متعمد كان أو غير متعمد ومنع
استمراره أو العمل على تقليله إلى أدنى قدر ممكن ، وذلك باستخدام
النظم الرقابية المتطورة .
4 . تحقيق الاستفادة القصوى من نظم المحاسبة والمراقبة الداخلية ،
وتحقيق فاعلية الإنفاق وربط الإنفاق بالإنتاج .
5 . تحقيق قدر كاف من الإفصاح والشفافية في الكشوفات المالية .
6 . ضمان أعلى قدر من الفاعلية لمراقبي الحسابات الخارجيين ، والتأكد من كونهم على درجة عالية من الاستقلالية وعدم خضوعهم لأية ضغوط من مجلس الإدارة أو من المديرين التنفيذيين .
أما على الصعيد الاجتماعي فيذكر مركز الحوكمة في الجامعة التكنولوجية في سدني ( UTS ) * إنها تهتم بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية . ويشجع إطار حوكمة الشركات الاستخدام الكفء للموارد وضمان حق المساءلة عن السيطرة عليها ، ويهدف إلى ربط مصالح الأفراد والشركات والمجتمع بشكل عام ( 17 ) . وفي ذات الاتجاه يؤكد Hitt et al. إن حوكمة الشركات ذات أهمية كذلك للشعوب ، إذ يرغب كل بلد أن تزدهر وتنمو الشركات العاملة ضمن حدوده لتوفير فرص العمل أو الخدمات الصحية ، والإشباع للحاجات الأخرى ، ليس لتحسين مستوى المعيشة فحسب بل لتعزيز التماسك الاجتماعي ( 18 ) .
مبررات حوكمة الشركات المملوكة للدولة وأهميتها
تكتسب الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، إذ انه على الرغم من الخصخصة التي شهدتها العديد من الدول ، إلا إن تلك الشركات لازالت مساهماتها تمثل جزءا أساسيا من إجمالي الناتج المحلي وتوفير فرص العمل ، وتظهر بشكل بارز في اقتصادات العديد من الدول ومنها العراق ، الذي بلغت نسبة مساهمة القطاع العام في إجمالي تكوين رأس المال الثابت للمدة 1997 – 2002 ( 88.7 % ، 83.9 % ، 86.4 % ، 89.7 % ، 91.1 % ، 81.7 % ) على التوالي ، في حين بلغت مساهمة القطاع الخاص فيه لنفس المدة ( 11.3 % ، 16.1 % ، 13.6 % ، 10.3 % ، 8.9 % ، 18.3 % ) على التوالي ( 19 ) . كما بلغت نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمدة 1997 – 2002 ( 77 % ، 73 % ، 81 % ، 85 % ، 79 % ، 74 % ) على التوالي . أما القطاع الخاص فقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمدة ذاتها ( 23 % ، 27 % ، 19 % ، 15 % ، 21 % ، 26 % )
عل ى التوالي *
أما مساهمة القطاع العام في القيمة المضافة الإجمالية للسنوات
1997 – 2002 فقد بلغت ( 78 % ، 73 % ، 81 % ، 86 % ، 80 % ، 75 % ) ، فيما بلغت مساهمة القطاع الخاص فيها للمدة عينها ( 22 % ،
27 % ، 19 % ، 14 % ، 20 % ، 25 % ) .
كما يبلغ عدد العاملين في هذه الشركات نحو ( 500000 ) شخص ، ويشكلون نسبة 12.5 % من إجمالي العاملين في العراق البالغ ( 4000000 ) شخص ( 20 ) .
يتضح مما تقدم إن قطاع الشركات العامة وكما هو الحال في العديد من دول العالم ، لا يزال يمثل القسم الأغلب من النشاط الاقتصادي باستثناء الزراعة ، إذ إن هذه الشركات تؤدي دورا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني ، وذلك من خلال توفير فرص العمل لعدد كبير من المواطنين ، ومساهمتها بنصيب كبير من الناتج المحلي الإجمالي والقيمة المضافة الإجمالية . لذلك إن أي إخفاق يتعرض له هذا القطاع سوف لا تنحصر آثاره في القطاع نفسه ، بل تمتد إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد الوطني ، والتي تعتمد على مخرجات هذا القطاع . وبناء على ما تقدم يجب تحليل ودراسة المشكلات التي يعاني منها ، وبخاصة مشكلة الفساد المالي والإداري التي استشرت فيه بشكل غير مسبوق ، ليس لغرض حماية هذه الشركات من الانهيار فحسب ، بل لحماية الشركات التابعة للقطاع الخاص التي تعتمد عليه بشكل كبير مصدرا لمدخلاتها أو سوقا لمخرجاتها ، وبالتالي حماية الاقتصاد الوطني كله .
ثالثا : مفهوم الفساد المالي والإداري
مما لاشك فيه إن الفساد المالي والإداري أصبح سمة بارزة من سمات العصر الحديث ، رغم إن نشأته تعود في جذورها إلى بداية الخليقة ونشأت البشرية ، وذلك بدلالة ما ورد في القران الكريم من قصص الخلائق ومنذ ادم عليه السلام ، إذ إن أول من بدأ بالإفساد هو إبليس الذي استأذن رب العزة تعالى ( قال ربي فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ( الآيات 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 من سورة ص ) . واليوم تعد ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ، وذات جذور تأخذ أبعادا واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ، وهو داء خطير يهلك الحرث والنسل لم تسلم منه أي دولة في العالم متقدمة كانت أم نامية ، ولكن بدرجات ونسب متفاوتة ، وهذا ما تؤكده العديد من الدراسات بان الفساد المالي والإداري يقل كثيرا في الدول ذات الاقتصاد القوي ، والمستوى المعيشي المرتفع ، بينما يرتفع بمعدلات و وتائر كبيرة في الدول النامية بصفة عامة ، وذات المستوى المعيشي المنخفض على وجه الخصوص . ويتجلى ذلك من خلال الأوجه العديدة للفساد المالي والإداري ، كانتشار الرشوة ، والتسيب بين الموظفين وضعف الإنتاجية وتفشي المحسوبية والوساطة وزيادة الروتين وتعقيد الإجراءات في تنفيذ المعاملات . سوف يتناول الباحث في هذه الفقرة مفهوم الفساد ، ومظاهره ، وأسبابه وآثاره وانعكاساته .
1 . مفهوم الفساد لغة واصطلاحا
لقد دأب معظم الباحثين الأكاديميين على تحديد معاني المصطلحات التي تستعمل في بحوثهم ، وذلك لكي لا تخرج النقاشات والتحليلات عن إطارها الموضوعي ويتشتت جهد الباحث بدلا من التركيز على نقاط محددة. وعليه سوف يتم تحديد معنى الفساد لغة وتعريفه اصطلاحا .
الفساد لغة : ورد الفساد في معاجم اللغة في ( فسد ) الشيء يفسد بضم السين ( فسادا ) فهو فاسد ، والمفسدة ضد المصلحة ( 21 ) . كما ورد الفساد في القران الكريم في مواضع عديدة ليدل على معاني مختلفة ، فقد ورد ليعبر عن ( الطغيان والتجبر ) ، كما في قوله تعالى ( الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) (الآية 83 من سورة القصص ) ، أو ( الجدب والقحط ) كما في قوله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الآية 41 من سورة الروم ) ، أو ( عصيان إطاعة الله ) كما في قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم ) (الآية 33 من سورة المائدة ) .
تعريف الفساد : لقد وردت تعاريف عديدة للفساد ، إذ لا يوجد تعريف واحد محدد له ، إلا أنها تمحورت جميعها على مضمون واحد وهو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . لقد ارتبط مفهوم الفساد في أذهان العديد من البشر بالشر ، و ربما يكون اصدق تعريف له هو الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية " الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق مكاسب خاصة ، ويشتمل ذلك على جميع أنواع رشاوى المسؤوليين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين ، ولكنه لا يتضمن الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع " ( 22 ) .
ويرى الباحث انه في إطار هذا البحث يمكن أن ينظر إلى الفساد المالي والإداري بأنه التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، الذي يمثل تقويضا للثقة العامة ، أو خرقا للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العام ، لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع ، وذلك بإعطاء أو اخذ الرشاوى أو الامتيازات ، وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسسات الرسمية .
2 . أسباب ظهور الفساد المالي والإداري
لا يمكن معالجة الظواهر السلبية التي تعاني منها المجتمعات مالم يتم تشخيص أسبابها وبواعث نشؤها . وقد حدد البنك الدولي World Bank مجموعة من الأسباب لظهور الفساد المالي والإداري أبرزها ما يأتي :
أ – تهميش دور المؤسسات الرقابية ، وقد تكون تعاني من الفساد هي
نفسها .
ب – وجود البيروقراطية في مؤسسات الدولة .
ج – حصول فراغ في السلطة السياسية ناتج عن الصراع من اجل
السيطرة على مؤسسات الدولة .
د – ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتهميش دورها .
هـ - توفر البيئة الاجتماعية والسياسية الملائمة لظهور الفساد .
إضافة إلى ما تقدم ، يمكن تحديد ثلاثة أبعاد لأسباب حدوث الفساد المالي والإداري وهي :
• البعد السياسي ، تتمثل أسباب الفساد الإداري والمالي بالإرادة السياسية الضعيفة التي تتعايش مع الفساد ، ولا تمتلك المبادرات لمكافحته ، فإنها حتى وان أعلنت عن إصلاحات ، فإنها تبقى من قبيل العبث ، ويصبح من ثم وجود المصلحين بلا معنى ، حتى وان توفرت لديهم الجدية والرغبة الصادقة في الإصلاح . وبدون الإرادة السياسية ، فان مواجهة الفساد ستقتصر على الشكل ليس إلا ، ويبقى دور المصلحين مقتصرا على المناشدات والنداءات والتمنيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع . وان غياب الإرادة السياسية يؤدي إلى غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية . وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي . كما تتعطل إلى حد بعيد آليات الرقابة في الدولة ويخبو وازع المساءلة والمحاسبة ، حيث إن الحكومة لا تحاسب الإدارة مع علمها بالفساد المستشري في أوصالها ، وان يد القضاء لا تطول المسؤولين في الدولة مهما قيل أو عرف أو شاع عنهم ، وان هيئات الرقابة تكون معطلة أما بفعل شدة الفساد الذي يتجاوز في أبعاده قدرتها ، أو لان دم الفساد اخذ يدب في عروق بعضها .
• البعد الاقتصادي ، يتمثل في البطالة وتدني الرواتب والأجور وتباين الدخول بشكل كبير وانخفاض مستو المعيشة بشكل عام ، فضلا عن غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة وكثرة الصفقات التجارية المشبوهة او الناتجة عن عمليات السمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزا واسعا .
• البعد الاجتماعي ، يتجلى عندما يغدو لكل شيء ثمن يقاس بالدنانير ، وعندما يغدو للقيام بواجب وظيفي معين ثمن ، و لإجراء معاملة مع إدارات الدولة ثمن ، ولتصريف أعمال الحكم ثمن ، وللكلمة في وسائل الإعلام ثمن ، ولحكم القضاء في بعض الحالات ثمن . وعندما يصبح لكل شيء ثمن ، فان الفساد قد أضحى في حياتنا العامة من صلب ثقافة المجتمع وبذلك يكون المجتمع في هذا الحال قد ابتلي بما نسميه ثقافة الفساد ، وعندما يكون الفساد من صلب ثقافة المجتمع يصعب علاجه . فالفساد لا ينتج إلا مزيدا من الفساد ، والفاسد لا يرى في فساد عيبا ، وهنا يشكل الفساد طوقا يحتاج إلى من يكسره بقوة خارقة .
3 . مظاهر الفساد المالي والإداري
ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة ، مدمرة للمجتمع ، وبوصفه يمثل احد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية ، فانه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد ، وغالبا ما تجد طريقها إلى خارج البلد ، بدلا من توظيفها داخل البلد لجلب المنفعة العامة .وان الفساد كالجرثومة الخبيثة تفترس الحكم الجيد وتقوض أركانه ، وتدمر الشرعية السياسية ، وتغتصب حقوق المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة السياسية ، بل يسهم في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي ، وتكون الخيارات والقرارات خاطئة ، فتتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة . وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به ، تهتز أركان الحكم وتنقص سيادة القانون ويتمادى مرتكبو الفساد في البحث عن وسائل أخرى جديدة للحصول على مزيد من الأموال بطرق غير مشروعة ، وعندما يتحكم الفساد بالمجتمع ويضرب أطنابه فيه ، تدخل البلاد في حلقة مفرغة ، حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه ، وعندها يتعذر السيطرة عليه بسهولة . وللفساد المالي والإداري مظاهر متعددة وآثار خطيرة .
أ – مظاهر الفساد المالي والإداري
للفساد المالي والإداري مظاهر وتجليات سياسية ومالية وإدارية وأخلاقية .
ففي الجانب السياسي ، يتجلى الفساد في الحكم الشمولي الفاسد ، وفقدان الديمقراطية وفقدان المشاركة وفساد الحكام وسيطرة نظام الحكم على الاقتصاد وتفشي المحسوبية .
وفي الجانب المالي ، يتمثل الفساد بالانحرافات المالية وعدم الالتزام بالقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية . وتتجسد مظاهر الفساد المالي بالرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحسوبية في التعيينات والمراكز الوظيفية .
أما الفساد الإداري ، فانه يتعلق بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية التي تصدر عن الموظفين العموميين أثناء تأديتهم لمهام عملهم ، وتتجسد مظاهر الفساد الإداري في التسيب لدى الموظفين وعدم احترام الوقت وتمضيته في أمور لا علاقة لها بمهام الوظيفة واستحقاقاتها ، وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار العمل وغبرها .
وفي الجانب الأخلاقي ، يتمثل الفساد بالانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي يقوم بها موظفي الدولة ، والمتعلقة بسلوكهم الشخصي وتصرفاتهم المتمثلة باستغلال الوظيفة لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة و ممارسة المحسوبية دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة عند تعيين الموظفين .
ب – آثار الفساد المالي والإداري
إن للفساد المالي والإداري تكلفة ، وخاصة في الشركات العامة ، حيث يتم الحصول على مكاسب مالية وامتيازات أخرى على حساب المجتمع . وتتمثل تكاليف الفساد المالي والإداري في الزيادة المباشرة التي تطرأ على تكلفة المعاملة ، ومن ثم على السعر الذي يدفعه المستهلك للسلع أو المستفيد من الخدمات التي تقدمها الجهة التي تدفع الرشوة . إن الزيادة في التكلفة لا تعد بأي حال من الأحوال الجانب الأكثر خطورة من الجوانب الأخرى ، فعندما يكون احتمال الحصول على مكاسب شخصية عنصرا من العناصر ، فانه يتحول سريعا ليكون العنصر الأوحد الهام في المعاملة ، مع إزاحة عناصر التكلفة والنوعية ، وموعد وكيفية التسليم ، وجميع الاعتبارات القانونية الأخرى جانبا عند الموافقة على منح العقود . وينتج عن ذلك اختيار موردين غير مناسبين ، أو مقاولين غير ملائمين ، بالإضافة إلى شراء السلع غير المناسبة . وبناء على ذلك يتم إعطاء الأولوية للمشروعات الغير ضرورية على حساب الأولويات الوطنية الهامة بدون سبب سوى تمكين متخذي القرار الحكوميين من الحصول على رشاوى كبيرة وسريعة . وبصفة عامة يمكن تلمس بعض الآثار الاقتصادية للفساد ومنها ( 3 ) :
• يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها .
• للفساد اثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا ، فقد أثبتت الدراسات إن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها ، وبالتالي يسهم في تدني حجم الضرائب ومن ثم تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة
• يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بشكل مستمر مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع .
رابعا : دور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي
والإداري
يعد الفساد المالي والإداري من اخطر المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة بصفة عامة ، والشركات المملوكة للدولة بصفة خاصة . ويتمثل الفساد المالي والاداري بالمكاسب والامتيازات التي يتم الحصول عليها بشكل غير مشروع ، والتي سبق وان أشار أليها الباحث آنفا ، ويترتب عليها تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي التي تقدمها ، مما يضعف قدرتها على التنافس والبقاء ، وبالتالي تآكل رأس المال . وبدلا من أن تكون هذه الشركات احد محركات الاقتصاد وعامل من عوامل النمو ، تصبح عبئا على الاقتصاد الوطني يتحمله المجتمع بأسره . تؤدي حوكمة الشركات دورا مهما في معالجة المشكلات التي تعاني منها هذه الشركات ، والتي من أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات صنفها كل من Hess و Impavido إلى آليات حوكمة داخلية وأخرى خارجية . سيتم تناول هذه الآليات بشكل مختصر وكما يأتي (24 ):
1 . الآليات الداخلية لحوكمة الشركات
تنصب آليات حوكمة الشركات الداخلية على أنشطة وفعاليات الشركة ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الشركة . ويمكن تصنيف آليات حوكمة الشركات الداخلية إلى ما يأتي :
أ – مجلس الإدارة
يذكر كل من Singh و Harianto إن الناشطين في مجال حوكمة الشركات والباحثين والممارسين يعدون مجلس الإدارة أحسن أداة لمراقبة سلوك الإدارة ، إذ انه يحمي رأس المال المستثمر في الشركة من سوء الاستعمال من قبل الإدارة ، وذلك من خلال صلاحياته القانونية في تعيين وإعفاء ومكافأة الإدارة العليا . كما إن مجلس الإدارة القوي يشارك بفاعلية في وضع إستراتيجية الشركة ، ويقدم الحوافز المناسبة للإدارة ، ويراقب سلوكها ويقوم أدائها ، وبالتالي تعظيم قيمة الشركة ( 25 ) . ولكي تكون هذه المجالس فعالة ينبغي أن تكون في الموقف الذي يؤهلها للعمل لمصلحة الشركة ، وفي ذات الوقت تأخذ الأهداف الاجتماعية للشركة بعين الاعتبار ، كما يجب أن تمتلك السلطة اللازمة لممارسة أحكامها الخاصة بعيدا عن التدخلات السياسية والبيروقراطية في شؤونها ، وتقوم باختيار الإدارة العليا ، فضلا عن الإشراف المستمر على أداء الشركة والإفصاح عن ذلك ( 26 ) . وفي هذا السياق يأتي تأكيد ( PSCGT ) * على ضرورة أن تقاد كل شركة من الشركات المملوكة للدولة بمجلس إدارة فعال ، يمارس القيادة ويوجه الشركة بنزاهة وحكمة ويعمل لمصلحة الشركة بشفافية ومسؤولية ( 27 (.
ولكي يتمكن مجلس الإدارة في الشركة المملوكة للدولة من القيام بواجباته في التوجيه والمراقبة ، يلجا إلى تأليف مجموعة من اللجان من بين أعضائه من غير التنفيذيين ، أبرزها ما يأتي ( 28 ):
لجنة التدقيق
لقد حظيت لجنة التدقيق في الوقت الحاضر باهتمام بالغ من قبل الهيئات العلمية الدولية ، والمحلية المتخصصة والباحثين ، وبخاصة بعد الإخفاقات والاضطرابات المالية التي حصلت في الشركات العالمية . ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي يمكن أن تؤديه لجنة التدقيق كأداة من أدوات حوكمة الشركات في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها الشركات ، وذلك من خلال دورها في إعداد التقارير المالية وإشرافها على وظيفة التدقيق الداخلي في الشركات ، وكذلك دورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها ، فضلا عن دورها في التأكيد على الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات .
لقد ظهر مفهوم هذه اللجنة بعد الانهيارات المالية لبعض الشركات الكبير كما تم ذكره . ففي الولايات المتحدة الأمريكية تم إصدار قانون Sarbanse Oxley Act في سنة 2002 ، الذي ألزم جميع الشركات بتشكيل لجنة التدقيق لما لها من دور هام في منع حدوث تلك الانهيارات المالية في المستقبل ، وذلك من خلال دورها في عملية إعداد القوائم المالية وكذلك في زيادة استقلالية كل من المدقق الداخلي والخارجي .
أما في المملكة المتحدة فقد صدر عددا من التوصيات بتشكيل هذه اللجنة ، من أبرزها تقرير Smith Report في سنة 2003 ، الذي تضمن العديد من التوصيات الخاصة بدور ومسؤوليات لجنة التدقيق وكيفية الإفصاح عن هذه المسؤوليات في التقارير السنوية للشركات ( 29 ) . وتجدر الإشارة إلى انه هناك العديد من الدول الأخرى مثل كندا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وماليزيا وسنغافوره قد ظهر فيها مفهوم هذه اللجنة منذ سنوات عديدة ، وتطور هذا المفهوم بعد صدور العديد من التوصيات والمقترحات لحل المشكلات التي تواجهها هذه اللجنة في الواقع العملي ، وبالشكل الذي أصبحت هذه اللجان في الوقت الحاضر أداة هامة من أدوات حوكمة الشركات .
وعن تشكيل لجنة التدقيق في الشركات المملوكة للدولة ، فإنها على وفق المعلومات التي توفرت للباحث قد ظهرت الدعوة إليها لأول مرة في توصيات تقرير King Report * في جنوب أفريقيا في سنة 1994 وتلا ذلك صدور العديد من التوصيات لتأليف مثل هذه اللجنة في العديد من الدول . وقبل التطرق إلى أهمية هذه اللجنة والواجبات التي تقوم بها ، لابد من الإشارة إلى المقصود بها . ونظرا لتعدد التعاريف في أدبيات التدقيق لهذه اللجنة ، سوف يكتفي الباحث بإيراد تعريفين احدهما لإحدى الهيئات المهنية والآخر لأحد الباحثين .
• لقد عرفت لجنة التدقيق من قبل الهيأة الكندية للمحاسبين القانونيين ( CTCA )* بأنها " لجنة مكونة من أعضاء مجلس إدارة الشركة الذين تتركز مسؤولياتهم في مراجعة القوائم المالية السنوية قبل تسليمها إلى مجلس الإدارة ، وتتلخص نشاطاتها في ترشيح المدقق الخارجي ومناقشة نطاق ونتائج التدقيق معه ، وكذلك مراجعة نظام الرقابة الداخلية للشركة والتأكد من فاعليته ، وكذلك التأكد من تطبيق قواعد حوكمة الشركات في الشركة ( 31 ) .
• كما عرفها ( ميخائيل ) بأنها لجنة منبثقة عن مجلس الإدارة ، تتكون من عدد من الأعضاء غير التنفيذيين ، ويحضر اجتماعات هذه اللجنة المدققون الداخليون والخارجيون إذا اقتضى الأمر ذلك ، وتفوض هذه اللجنة صلاحيات العمل طبقا للأحكام التي يقررها مجلس الإدارة ، وترفع تقاريرها الدورية إلى رئيس مجلس الإدارة ( 32 ).
ويتضح للباحث من خلال التعاريف السابقة انه يتم تعريف هذه اللجنة في ضوء عضويتها ومسؤولياتها ، وإنها تتميز بأنها منبثقة عن مجلس الادارة وتقتصر عضويتها على أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين ، والذين تتوافر لديهم الاستقلالية والخبرة في مجال المحاسبة والتدقيق ، وتتعلق مسؤوليتها بتدقيق عمليات إعداد التقارير المالية ومراجعة عمليات التدقيق الداخلي والخارجي ، وكذلك مراجعة الالتزام بتطبيق قواعد حوكمة الشركات من قبل إدارة الشركة .
وظائف وواجبات ( مسؤوليات ) لجنة التدقيق
سبق وان أشار الباحث إلى إن إحدى أهم مسؤوليات لجنة التدقيق هي التأكد من تطبيق قواعد الحوكمة على ارض الواقع ، والذي يتم من خلال مجموعة من الآليات ، كما إن وجود نظام رقابة داخلية يعد من أهم مسؤوليات مجلس الإدارة ، ويتمثل الدور الرئيسي للجنة التدقيق فيما يتصل بهذا النظام بالتحقيق من كفايته ، وفاعلية تنفيذه وتقديم التوصيات إلى مجلس الإدارة ، والتي من شانها تفعيل النظام وتطويره ، بما يحقق أغراض الشركة ويحمي مصالح المالكين وبقية أصحاب المصالح بكفاية عالية وتكلفة معقولة . وتقترح PSCGT الوظائف التالية للجنة التدقيق ((33:
• مراجعة الكشوفات المالية قبل تقديمها إلى مجلس الإدارة .
• التوصية بتعيين ومكافأة وإعفاء المدقق الخارجي .
• مناقشة نطاق وطبيعة الأولويات في التدقيق والاتفاق عليها .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين لأية تحفظات أو مشكلات تنشأ أثناء عملية التدقيق .
• المناقشة مع المدققين الخارجيين والداخليين لتقويم فاعلية نظام الرقابة الداخلية في الشركة وإدارة المخاطر فيها .
• الإشراف على وظيفة التدقيق الداخلي ومراجعة التقارير التي تقدمها والنتائج التي تتوصل إليها وتقديم التوصيات للإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة .
• القيام بأية واجبات تكلف بها من قبل مجلس الإدارة ، والتي لها صلة بأعمال التدقيق والرقابة .
لجنة المكافآت
توصي اغلب الدراسات الخاصة بحوكمة الشركات والتوصيات الصادرة عن الجهات المهتمة بها بأنه يجب أن تشكل لجان المكافآت من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين. وفي مجال الشركات المملوكة للدولة فقد تضمنت إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) تأكيدا على ضرورة أن تكون مكافآت أعضاء مجلس الإدارة و الإدارة العليا معقولة ، وذلك لضمان تعزيز مصالح الشركة في الأمد البعيد من خلال جذب المهنيين من ذوي الكفاءات العالية .
وظائف لجنة المكافآت وواجباتها
تتركز وظائف لجنة المكافآت وواجباتها في تحديد الرواتب والمكافآت والمزايا الخاصة بالإدارة العليا لذا فان Mintz حدد تلك الواجبات بما يأتي ( 34 ) :
- تحديد والمكافآت والمزايا الأخرى للإدارة العليا ، و مراجعتها والتوصية
لمجلس الإدارة بالمصادقة عليها .
- وضع سياسات لإدارة برامج مكافأة الإدارة العليا و مراجعة هذه
السياسات بشكل دوري .
- اتخاذ خطوات لتعديل برامج مكافآت الإدارة العليا التي ينتج عنها دفعات
لا ترتبط بشكل معقول بأداء عضو الإدارة العليا .
- وضع سياسات لمزايا الإدارة ومراجعتها باستمرار .
لجنة التعيينات
يجب أن يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة والموظفين من بين أفضل المرشحين الذين تتلاءم مهاراتهم وخبراتهم مع المهارات والخبرات المحددة من الشركة . ولضمان الشفافية في تعيين أعضاء مجلس الإدارة وبقية الموظفين فقد وضعت PSCGT لهذه اللجنة مجموعة من الواجبات هي :
– أن تقوم لجنة التعيينات في الشركة مع مجلس الإدارة وبمصادقة الوزير
المختص بوضع المهارات والخبرات المطلوب توافرها لدى عضو مجلس
الإدارة والموظفين المطلوبين .
– يجب على لجنة التعيينات أن تضع آليات شفافة للتعيين، بما يضمن
الحصول على أفضل المرشحين المؤهلين .
– أن تقوم اللجنة مع بقية أعضاء مجلس الإدارة بتقويم المهارات المطلوبة
للشركة باستمرار .
– يجب أن تقوم اللجنة بالإعلان عن الوظيفة المطلوب إشغالها ، ودعوة
المؤهلين لتقديم طلباتهم للتعيين.
– على اللجنة أن تتوخى الموضوعية ، وذلك بمقارنة مؤهلات ومهارات
المتقدم مع المواصفات الموضوعة من الشركة .
ب- التدقيق الداخلي
تؤدي وظيفة التدقيق الداخلي دورا مهما في عملية الحوكمة ، إذ إنها تعزز هذه العملية ، وذلك بزيادة قدرة المواطنين على مساءلة الشركة . حيث يقوم المدققون الداخليون من خلال الأنشطة التي ينفذونها بزيادة المصداقية ، العدالة ، تحسين سلوك الموظفين العاملين في الشركات المملوكة للدولة وتقليل مخاطر الفساد الإداري والمالي . وفي هذا السياق يرى Archambeault إن كل من التدقيق الداخلي والخارجي يعد آلية مهمة من آليات المراقبة ضمن إطار هيكل الحوكمة ، وبشكل خاص فيما يتصل بضمان دقة ونزاهة التقارير المالية ومنع واكتشاف حالات الغش والتزوير ( 35 ) . وقد اعترفت الهيئات المهنية والتنظيمية بأهمية وظيفة التدقيق الداخلي في عملية الحوكمة . فقد أكدت لجنة كادبيريCadbury committee على أهمية مسؤولية المدقق الداخلي في منع واكتشاف الغش والتزوير (36 ) . ولتحقيق هذه الوظيفة لأهدافها ، يجب أن تكون مستقلة وتنظم بشكل جيد وتستند إلى تشريع خاص بها .
وفي هذا الاتجاه يؤكد Cohen et al. على انه يتم تقوية استقلالية هذه الوظيفة عندما ترفع تقاريرها إلى لجنة التدقيق بشكل مباشر وليس إلى الإدارة . يضاف إلى ذلك يمكن أن تزداد فاعلية لجنة التدقيق الداخل
ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ
فتحي محمد الحمادي
رد: آليات الحوكمة ودورها في الحد من الفساد المالي والإداري في الشركات المملوكة للدولة
ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ
رسالتنا للزوار الكرام : سجل عضويتك اليوم لتصلك رسائلنا لأخر مواضيع الأبحاث ورسائل الماجستير و الدكتورة عبر الايميل بشكل جميل.
♔ اَلَملَكهَ بَلَقَيــس♔- ♔ السمو الملكي ♔
- جائزه تسجيل للعام 10 اعوامجائزه الاعجاباتتاج 100 موضوعتاج المواضيعجائزه المواضيع امميزهعدد المشاركات بالمواضيع المميزهوسام التميزجائزه التميز
- عدد الرسائل : 3256
العمل/الترفيه : /لـآ شَي أوجَع منْ الحَنينْ ..~
الابراج :
الموقع : هوَ يشَبِه السّعادَةَ ؛ كلِ ماَ فكَرت فيَه ابتسَم !*
احترام القانون :
المزاج : ♡༽رفُُقُُآ بًًنِِبًًض قُُلََبًًيََ༼♡
نقاط : 56472
السٌّمعَة : 43
تاريخ التسجيل : 26/02/2008
تعاليق : الحب يزهر إذ التقينا بما يجمعنا لا بما يعجبنا !
رد: آليات الحوكمة ودورها في الحد من الفساد المالي والإداري في الشركات المملوكة للدولة
بارك الله في جهودكم
دشتى- ☆ الأعضاء ☆
- جائزه تسجيل للعام 10 اعوامجائزه المواضيع المميزه
- عدد الرسائل : 7
الابراج :
احترام القانون :
نقاط : 5099
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 08/04/2011
مواضيع مماثلة
» مفهوم الحوكمة
» طلب دراسات سابقة عن " مدى تأثير نظم المعلومات المحاسبية على الاداء في الشركات المالي "
» برنامج ( التحليل المالي والمحاسبي للحسابات الختامية و قائمة المركز المالي ) - القاهرة - سبتمبر2011م
» الفساد الاداري
» انواع الشركات
» طلب دراسات سابقة عن " مدى تأثير نظم المعلومات المحاسبية على الاداء في الشركات المالي "
» برنامج ( التحليل المالي والمحاسبي للحسابات الختامية و قائمة المركز المالي ) - القاهرة - سبتمبر2011م
» الفساد الاداري
» انواع الشركات
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: رسـائل ماجستـيــر ودكتـــوراة و بـحـوث جـامعيـة الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: ابحاث المحاسبه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى