النبي موسى وأسرار تربيته في القصر الفرعوني
بقلم: لطيفة الحياة
عاش موسى وقومه في ظل الحضارة المصرية قبل الخروج - حسب الطرح التوراتي وكل الآراء القائلة بذلك - فلقد غادروا مصر في حدودها الجغرافية ولم يغادروها كثقافة إحيائية، فبينما هم يجتازون البحر بعد شقه تطلعوا للوراء ليروا فرعون وجنوده يغرقون، فانطلقوا ظنا منهم أنهم قد تخلصوا من مصر ومن فرعون ومن قهره واستبداده، ولم يكن ليخطر لهم على بال أنهم محملون بأهم شيء من أرض الخروج، وهو الثقافة التي تشبعوا بها وأشربوها، ولعل القرآن كان دقيقا في التعبير عندما قال:"وأشربوا في قلوبهم العجل".
هنا لا علاقة للعجل بالقلب سواء أكان حيوانا حقيقيا أم مجسدا، وعليه فلن نخوض في نقاش عجل السامري ، وهل كان خواره حقيقيا أم متهيئا فقط ؟ كما نرى أن العجل المقصود هنا ليس الذي صنعه السامري، ولكن المراد به تلك الخلفية الثقافية الإحيائية، الكامنة وراءه والتي حملوها من أرض الخروج ، ولم يستطيعوا عنها فكاكا؛ ومن ثَـمَّ فالعجل كان مجرد رمز لهذه الثقافة.
فإذا سلمنا بأن الخروج تم من مصر، فإن ثمة سؤالا مستشكلا في أذهاننا، وهو لماذا صنع السامري آلهة عجلا ؟ بالرغم من أن الفترة التاريخية التي عايشوها لم يكن فيها للعجل - كحيوان مقدس- مركزية ضمن آلهة الدولة الحديثة؛ بل كان ضمن التاسوعات المهيمن عليها من قبل الإله آمون، أما مرحلة أخناتون( نبي أتون ) فيتحدث فيها عن وجود توحيد، فهل كان السامري مصريَّ الجذور؟وإذا كان الجواب بالنفي، فما تراها تكون أصوله الحقيقية ؟
وعليه فمـا تراها تكون علاقة أصله الجغرافـي بالعجـل ؟
إن سبر أغوار الخلفية الثقافية للحضارة المصرية التي تشبع بها كل من عاش بين أحضانها، بما فيهم بنو إسرائيل ليجعلنا نستشعر خطورة الموقف الذي سيواجهه النبي موسى ( التوراتي/القرآني)، وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه ، فهو مقبل على دعوة قوم يعتمدون خصائص ثقافية معينة أهمها: أن الآلهة تكلم البشر، وأن الملك هو الإله في الأرض، وأن جميع السلطات متمركزة في يده، وأن قوة هذه الآلهة في قدرتها على الإتيان بالخوارق من الأعمال الحسية المتجلية للعين المجردة ، فنجاح موسى في مهمته الدعوية رهين باستيعابه هذه الآلياتِ الثقافيةَ ، وبإدراكه أهميتَها في خلق تواصل مع المتلقي ( فرعون، قوم فرعون، بني إسرائيل ) وتجاوبه معه ، وحتى يتحقق له التجاوز المتمثل في الدفع بالعقل خطوات إلى الأمام بعيدا عن الإحيائية، والسير به نحو آفاق أكثر نضجا، حيث الوحدانية الإلهية الحقة ، إلا أنه قبل أن نتحدث عن مضمون الدعوة وأدواتها لابد من أن نقف مع حامل هذه الدعوة للناس الذي هو موسى ، فلا ينبغي أن ننسى أنه هو الآخر عاش في أحضان أرض الخروج وتأثر بنسقها الثقافي، كما أنه مقبل على مخاطبة فرعون ( الملك الإله ) الذي له هيبته وسلطته ومكانته في قومه.
فكيف اقتنع بإله لم يره ؟ وكيف تقبل أن يخاطب فرعون إله عصره وما أدراك ما فرعون ؟
يحكي التوراة والقرآن - معا - كيف أن الأقدار ساقت موسى إلى داخل القصر الفرعوني حيث تربى في صغره ، ومكث فيه سنين "قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين" وقد تختلف التوراة عن القران في كيفية دخوله القصر وعلى يد من دخل، وكيف تقبله فرعون ، لكن كل هذا لا يهم بقدر ما يهمنا أنه دخل القصر فعلا وتربى فيه ، فهل كان السر وراء هذا هو حمايته من القتل الذي لحق جميع الأطفال في سنه؟ أم كانت الحكمة من ذلك أكبر بكثير من هذا ؟.
أعتقد أن العناية الإلهية كفيلة بحفظ موسى (الرضيع) من القتل في أي مكان آخر غير القصر، لكنها اختارت تربيته داخل القصر لأبعاد مستقبلية تدخل ضمن قول القرآن في سورة طه "واصطنعتك لنفسي.." فالله سبحانه يهيأ موسى لمخاطبة فرعون كملك وإله في ثقافة عصره ، وإن مخاطبة شخصية بمثل هذه المواصفات والمهام والوظائف لن تتيسر لأي كان، ولكنها تسهل في وجه موسى الذي تربى وسط القصر كمقر للإله (فرعون) وكمركز لجميع السلط آنذاك والوظائف والمهام المتعلقة بسير البلاد.
المصدر : موقع الشهاب