الدراما في السياق التربوي
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: رسـائل ماجستـيــر ودكتـــوراة و بـحـوث جـامعيـة الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: ابحاث التعليم والمعلمين والمناهج
صفحة 1 من اصل 1
الدراما في السياق التربوي
الدراما في السياق التربوي
القصة جوهر الدراما
حينما نكون أمام الدراما، فإننا نكون أمام القصة بالضرورة، الدراما تتطلب (من؟ ما؟ متى؟ أين) وهذا هو أبسط تكوين لأية قصة، ولكي تغدو دراما، فإن هذه العناصر الأربعة تتفاعل معاً (هنا والآن) لتغدو فعلاً درامياً. إذن، نحن نكون في علاقة مع القصص حين نكون في حديث عن الدراما؛ فإذا نظرنا إلى واحد من أكثر تعريفات الدراما دلالة وتكثيفاً، فهي، وكما يراها مارتن إسلن (1987) "قصةٌ ممثَلةٌ"، وهذا التعريف يتضمن أمرين، الأول: القصة، والثاني: التمثيل؛ فالدراما إذن تتضمن عناصر بناء القصة، وقد تكون هذه القصة قصةً شفويةً تروى أو قصة مكتوبة تُقرأ، ولكي تتحول إلى دراما، فإنها بحاجة إلى مكونات الدراما، وهي أن تكون ممثلة، بمعنى أن تتحول الكلمات إلى فعل، ليس فعلاً لفظياً أو مكتوباً فقط، لأن ذلك وحده لن ينقلنا إلى الدراما، فنحن بحاجة إلى فعل يقوم به أشخاص في زمن ومكان معينين، عبر علاقات من طراز ما، وضمن هذه العلاقات يتخلق التوتر والصراع … وقد يتضمن الفعل كلاماً أو لا يتضمنه.
يقول "إمبرتو إيكو"[1] في معرض وصفه لآليات كتابته لروايته "اسم الوردة": "أعتقد أن رواية قصة ما تفترض بناء عالم، ويستحب أن يكون هذا العالم كثيفاً في أبسط جزئياته. فإذا بنيت نهراً بضفتين، ووضعت على الضفة اليسرى صياداً، وأسندت إلى هذا الصياد صفة الغضوب،، وجعلت له صحيفة سوابق، حينها سيكون بإمكاني أن أبدأ الكتابة، أي أترجم إلى كلمات ما يستحيل أن يحدث. ماذا يفعل الصياد؟ إنه يصطاد (وها نحن أمام مقطع من الإيماءات التي لا يمكن تجنبها)، وماذا سيحدث بعد ذلك؟ إما أن السمكة ستقع في الشرك، وإما أنها لن تقع فيه. إذا وقعت السمكة في الشرك، فإن الصياد سيحصل على سمك، وسيعود فرحاً إلى منزله. أما إذا لم تقع السمكة في الشرك، وبما أن هذا الصياد غضوب، فإنه لن يتحكم في أعصابه، وربما سيكسر قصبته. ولكن هذا ليس أمراً مهماً. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يشكل بداية ما"[2] (إيكو، بلا تاريخ).
هل يقع هذا النص في إطار تأكيد (البدهيات)، أم أنه سرد يفاجئنا بدلالاته، إن من يقول ذلك روائي كبير. إنني أعي تماماً بأن هذا النص المقتبس هو نص طويل، غير أن كل كلمة فيه تضيء تماماً فكرة إنتاج النص القصصي؛ فما الذي يثيره هذا النص من أفكار، وبخاصة أنه آت من قبل روائي فذ له تجربة فريدة في الكتابة الروائية جاء بعد سنوات طويلة من الدراسات النقدية والبحث الأدبي والتدريس الجامعي، فهذا روائي قادم من عالم النقد إلى عالم الرواية، لعل إيكو قد أثبت بأن "النقاد" ليسوا روائيين فاشلين، بل إن "الناقد" الكبير يمكن له أن يكون روائياً كبيراً أيضاً، فهو يجمع ما بين "التحليل – تفكيك النصوص"، وما بين "التجميع – تركيب النصوص".
إن أولى الإشارات التي يقولها هذا النص تتمثل في أن أية كتابة قصصية تتطلب مجموعة من العناصر لانبنائها:
1- بناء عالم القص.
2- أن يتسم هذا العالم (في بداية تشكله) بالكثافة.
3- تأسيس مكاني (نهر بضفتين) وزماني (وقت الصيد).
4- شخصية (الصياد) ذات تاريخ.
5- حدث (فعل الاصطياد).
6- توتر (قد يصطاد وقد لا يصطاد).
7- نمو الحدث (ما الذي سيحدث فيما لو اصطاد، وما الذي سيحدث إذا لم يتمكن من ذلك؟
وكما يشير إيكو فإن هذه الحبكة الأولية البسيطة كافية من أجل بناء قصصي سيفضي إلى إنتاج قصة، يمكن أن تكون منطلقاً لعمل أكبر أكثر من "مادة خام" ربما وأقل من "عمل فني"، وهناك في تلك المنطقة الإشكالية على مستوى الشكل "كفن" وعلى مستوى الموضوع "كحالة صراع" أو تلك المنطقة "ما بين الجنة والنار" يحدث الفعل، فلا فعل درامياً يحدث دون حدوث ذلك التنازع إلى تغذيه العلاقات الإنسانية بقيمها وأفكارها ومصالحها وتوجهاتها.
وفي ضوء فهمنا للعلاقة العضوية ما بين القصة والدراما كما بينتها في بداية هذا الفصل، فإننا سنتساءل: ما الذي نحتاجه إذن لتكوين حدث درامي، سواء أكانت غايته بناء قصة أم بناء مشهد مسرحي؟ إن ما سنحتاج إليه يتمثل في عناصر تكوينية أساسية تتمثل في الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بكل من أدوات الاستفهام التالية:
- من؟
- ما؟
- أين؟
- متى؟
هذه هي العناصر الأساسية الأربعة التي يقتضيها أي فعل درامي، وهي بمثابة المادة الأساسية لأي تشكيل درامي لاحق. ولكي ينمو هذا الفعل ويأخذ أبعاداً جديدة، فهو بحاجة إلى إضافة عناصر أخرى فيما بعد، منها:
- ما الذي حدث قبل ذلك؟
- وما الذي سيحدث بعد ذلك؟
من المفيد هنا أن نعود إلى الاقتباس من (إيكو): "والحال أن هناك مثلاً هندياً يقول : <اجلس على ضفة النهر، وانتظر، فستطفو لا محالة جثة عدوك فوق الماء> وإذا حدث أن طفت جثة ما على سطح الماء، وهناك سياق تناصي يحيل عليه للنهر؟ لا تنسوا أن صيادي له سوابق. فهل سيجازف ليجد نفسه في مأزق؟ ماذا سيفعل؟ هل سيهرب، أم سيتظاهر بعدم رؤية الجثة؟ هل سيشعر بأن الشكوك تحوم حوله، فهذه الجثة هي في واقع الأمر جثة ذلك الرجل الذي كان يكرهه؟ وبما أنه غضوب، فهل سيعتصره الألم لأنه لم يكن هو القاتل، فكم كان يتمنى أن ينتقم من عدوه؟ وكما تلاحظون، فإن تأثيثاً بسيطاً لهذا العالم كان كافياً لتوليد قصة، وبالإضافة إلى ذلك هناك ملامح خاصة بأسلوب السرد، فالصياد الذي يصطاد سيفرض علي نمطاً سردياً بطيئاً ومنساباً، وإيقاعاً خاصاً يوحي بالانتظار الصبور، وخاصاً أيضاً بالقفزات التي تعبر عن نفاد هذا الصبر. يجب بناء هذا العالم، وستأتي الكلمات فيما بعد من تلقاء نفسها، فامتلاك الأشياء سابق على وجود الكلمات، وهو عكس ما يحدث في الشعر، حيث امتلاك الكلمات سابق على امتلاك الأشياء" (إيكو، بلا تاريخ) فأي عمل فني بما في ذلك العمل الدرامي يتطلب تضافر عناصر محددة، وهي مكونات الفعل الفني الأساسية المتمثلة في (التبئير، والمفارقة، والتوتر، والترميز).
الدراما والتربية
ما الذي يحيل له تعبير "الدراما والتربية" أو "الدراما في التربية" أو "الدراما التربوية" أو "التربية والدراما" أو "لعب الأدوار"؟
§ هذه تعبيرات يكثر تداولها للتعبير في الغالب عن أمر واحد، ويبدو أن التعبير الأخير "لعب الأدوار" هو التعبير الأكثر حضوراً في العملية التربوية، وبخاصة أن كثير من الدراسات التربوية التي اهتمت بأساليب التدريس قد أشارت له ضمن إشاراتها لأساليب تربوية كثيرة، وفي أكثر الأحيان فقد بدا وكأنه مجرد أسلوب بسيط مسطح، وبالتالي فقد ظهر مبتسراً مفرغاً من أبعاده ودلالاته. وقد اختزل في كثير من الأحيان إلى ما يُتعارف عليه بـ "لعب الأدوار" ليس لأنه مختزل أو محدود، بل لأنه في أقصى استعمالاته يتخذ شكلاً واحداً أفضى به إلى أن يبدو وكأنه تكنيك ذو بعد واحد ومسطح، مع أنه في جوهره ذي أبعاد كثيرة وتجليات متنوعة، ولم يتم التعمق فيه وفي إمكاناته، ويبدو أنه قد تمت ترجمته ضمن الكثير الذي يترجم بصورة حرفية من قبل تربويين لم يتعمقوا فيه، ولا في التجارب التربوية التي استندت إليه أو الكتب التي تناولته.
§ ومع ذلك، فإن هذا الأسلوب بفهمه المحدود وباستخداماته المتواضعة يبقى الأوثق صلة بالمجال الذي نتناوله وهو (الدراما والتربية)؛ لأنه يضع المسألة في داخل سياقها التربوي (التعليمي – التعلمي). وفي الوقت نفسه فإن التعبيرات الأخرى، وفي كثير من الأحيان (هذا التعبير نفسه) أيضاً، تحيل إلى مفاهيم مختلفة تقترب أو تبتعد عن الدلالات المتعلقة بهذا الحقل، وغالباً ما يلتبس الأمر، فلا يرى ضمن سياقاته المعروفة سواء على المستوى النظري أم المستوى التطبيقي؛ ومن هذه الالتباسات الاختلاط ما بين الدراما والمسرح اللذين يبدوان، وكأنهما مجال واحد على الرغم من أنهما في الحقيقة مجالان ينتميان إلى جذور واحدة.
§ ومن الالتباسات التي تحدث ما يتعلق بالنظرة إلى الفن (في المدرسة) على أنه عمل غايته الترفيه، والتخفف من العبء المدرسي وأثقاله الرسمية الجامدة، وعلى الرغم من أهمية الجانب الترفيهي أو لنقل (المتعوي) بصورة أدق، فإن الفنون في المدرسة تقتضي النظر إليها على أنها محور ذو أهمية بالغة في التكوين النفسي والمعرفي والأدائي للمتعلم تعادل محاور التعليم الأخرى إن لم تفقها أهمية.
§ إن عالم (الدراما والمسرح في التربية) عالم مفتوح ومتسع ومتشابك، وقد نرى مدى تنوع مجالاته، وتعدد منطلقاته واختلاف طرائق تطبيقه بتنوع الرؤى الفلسفية والفكرية والثقافية التي تتعامل معه، فلا يمكن أن يكون "جيداً" أو "رديئاً" بحد ذاته، فهو خارج التصنيف طالما كان خارج السياقات التي يفعل فيه وتفعل فيه، فهو حقل كأي من حقول المعرفة الإنسانية وتجلياتها السلوكية التي تنطلق من أرضية فكرية وتتوجه نحو غاية مستقبلية ما، ولذلك فإن أفكار الناس ونظرتهم إلى الحياة وتصورهم لعلاقاتهم الإنسانية هي حاسمة في مجال توظيف الدراما على الرغم من أنها، مبدئياً، تتسم بالتشارك والتفاعل ما بين المشتركين فيها وتتيح مجالاً للاستكشاف والتعبير الفردي والجماعي، وتمنح المشترك إمكانية توظيف خبراته ومعارفه والبناء عليها. ولكنها في الوقت نفسه تتحرك، كما كل مجالات الحياة الأخرى، ضمن تصورات منجزة وثابتة، أو رؤى تتكون وتتطور خلال حركة فعلها. وتنحاز إلى موقف ما أو قضية ما؛ لذلك فإننا سنرى، مثلاً، دراما تتعامل مع اكتشاف أمريكا ضمن تصورات لها علاقة بعلاقات القوة (المادية والمعنوية) في المجتمع البشري، ولذلك فسيغدو كريستوفر كولومبس عند البعض مكتشفاً ورائداً وحضارياً في وجه بدائية الهنود الحمر، وسيبدو عند بعض آخر صورة من صور الظلم والاضطهاد والاستعمار الأوروبي الذي داس حضارة الأمريكيين الأصليين وفتك بها. لكن الصورة الطاغية هي اقتران كولومبس بالمكتشف، بينما الصورة الأخرى تكاد تبدو هامشية أو غائبة تماماً عن المشهد.
§ ولذلك، فإننا سنرى آلاف الكتب والمجلات (والمجلات المتخصصة فيه أيضاً) وعشرات بل مئات كليات التربية أو كليات الآداب بوجه أعم التي تتعامل معه ضمن مقاربات شديدة التنوع وكثيرة الاختلاف، التي يقع ضمنها مكانة "التربية" فيه بالقياس إلى مكانة "الفن" فيه، فهو مجال يتفاعل مع كليهما بصورة أو بأخرى، وسنلاحظ أن هذين المجالين "تحديداً" هما مجالان متسعان باتساع المعرفة البشرية وإنجازاتها المادية والمعنوية، ولذلك فإنه من العسير القول إن "تطبيقه" و"ممارسته" في حجرة الصف سيكون لهما مفعول العصا السحرية في إحداث تغيير في المتعلم لا تحدثه الطرائق التقليدية.
§ ومع أن الكثير من المقاربات التي توظف (الدراما في التربية) في مجال عملها التربوي تتفاعل به من حيث كونه يمكّن المعلم من التزود بأساليب التدريس (الفعّالة)، فإنها لا تحصر الأساليب التربوية فيه. ومع ذلك، فإن اختلافاً ظاهراً، ينضاف إلى الاختلافات المتعلقة بالمنطلقات والغايات، يتمحور حول مدى "الفني" ومدى "التربوي" فيه. بمعنى آخر، فهناك من يرى فيه وسيطاً تربوياً يندرج في إطار الأساليب التربوية التي يمكن توظيفها في عملية التعليم، وبالتالي فهي أسلوب "مقشَّر" من أصوله "الفنية" حين يتجسد هناك في غرفة الصف، وهناك من ينظر إليه على أنه إضافة إلى كونه وسيطاً تربوياً (أسلوب مؤثر في إحداث التعلم) فهو يحقق غايته الأخرى، وهي التأثير في المتعلم فيما يتعلق بالدراما "كشكل فني". وما بين هاتين النزعتين يتجلى الكثير من الاختلافات والتعارضات والتناقضات التي تصل في تباينها إلى درجة الحطِّ من شأن هذه من قبل تلك والعكس بالعكس.
§ علينا أن ننتبه في معرض هذا الكلام من أننا نتناول الموضوع الآن، على الأقل، من تلك الزاوية التي يرى فيها من قبل العاملين فيه في البلدان التي ليس لها تجربة كبيرة فيه وحسب، بل إن الدراما والمسرح لهما جذورهما العميقة فيها. ولذلك، فإنه من المفيد النظر، حينما يكون الأمر متعلقاً بمجتمعنا العربي، بصورة قد تبدو مختلفة قليلاً لاختلاف العلاقة بكليهما (الدراما والمسرح) في مجتمعاتنا.
§ وإذا ما كان المسرح في بلادنا لا يتسم بتلك العراقة التي يتسم فيها في مجتمعات أخرى (على الرغم مما ألف من كتب ودراسات حول جذور المسرح في تاريخ هذه المنطقة) فإنه سيغدو من التعسف أن نحمّل تاريخنا الثقافي أكثر مما يحتمل، وبالتالي نستطيع أن نقيم المقاربة على نحو آخر؛ فإذا ما كان المسرح في صوره المعاصرة وبامتداداته التاريخية أيضاً هو أوروبي النشأة في جوهره، (كما الرواية!) فإننا لن نعدم إرهاصاته وأشكاله الجنينية والمختلفة في تاريخنا[3] ولكننا لو تعمقنا في هذه المسألة، فإننا نتكئ على "الدراما" في هذا المضمار أكثر من اتكائنا على المسرح كنوع فني؛ فالدراما وثيقة الصلة بالإنسانية في كل تاريخها، مهما تنوعت ثقافاتها ولغاتها وطبيعة مجتمعاتها.
§ لعلنا نستطيع ابتداء أن نرتكز على مكونين أساسيين للدراما لدى الناس يمكن الإفادة منهما كركيزتين لانطلاقة راسخة؛ الأول يتمثل في جذور الدراما في النشاط الاجتماعي الإنساني؛ إن تاريخ البشرية حافل بالطقوسيات، وهي طقوسيات تتضمن عناصر درامية، لنأخذ مثالاً واحداً بسيطاً من تراثنا الشعبي، "طقس الاستسقاء" مثلاً، فهو طقس يقوم على فعل شعبي جمعي، يقوم في ظل أزمة (انقطاع المطر) ليأخذ الناس دورهم صاعدين إلى الجبل، حاملين دفوفهم، متضرعين إلى الله أن يخفف وطأة انحباس المطر عنهم، وقد يفتحون فم ديك كي تسقط نقاط المطر فيه يترافق كل ذلك مع الغناء. إن التراث الشعبي لكل شعوب الأرض يتضمن طقوساً دينية واجتماعية تنتظم في خط درامي منبنٍ على تصور متخيل في سياق ما، ومع ذلك خيال الظل، والحكواتي، وبعض أغاني الأعراس أو المواسم الشعبية كالحصاد أو الصيد ... وكلها تتضمن مشاهد ينتحل فيها الأشخاص شخصيات أخرى ويجسدونها. لذلك، فإن الإفادة من مكون أساسي من مكونات الذاكرة الشعبية وثقافتها وتوظيفه في سياقات تعلمية سينسجم مع من يوظفه كونه يشكل جزءاً من تكوينه الثقافي. إن ما أريد قوله هنا يتمثل في أن الدراما تتجلى في النشاط الاجتماعي الإنساني لدى كل الشعوب على وجه الكرة الأرضية، أما حينما يتعلق الأمر بفن المسرح، فإن في ذلك الكثير من القول الذي أسهب فيه المسرحيون العرب من حيث كونه فناً غربياً أم أن له جذوره العربية.
§ أما الثاني، فيتمثل في الفعل الدرامي لدى الأطفال في سني عمرهم المبكرة؛ إن نظرة بسيطة إلى ما يمارسه الأطفال من لعب في سني عمرهم الأولى، فإننا سنجد حضوراً هائلا للدراما فيه، إن هذا اللعب يسمى باللعب الدرامي،[4] فها هو الطفل يلعب دور الأب بينما تلعب أخته دور الأم في لعبة متخيلة تتوزع فيها الأدوار والمهمات وتبادل الكلام والإيماءات والحركات الجسدية، في مكان هو "الآن"، وفي زمان هو "هنا" يتفقان ويختلفان، يتنازعان ويتوافقان ... وما الدراما سوى لعبة تخيل يضع المرء فيه نفسه في موقع شخص آخر في مكان معين وفي زمان محدد، تنبني بينه وبين غيره من بشر وأشياء وحيوانات علاقات تنمو وتتغير عبر التوتر ومن خلال بنية رمزية (الكلام والإيماءات والحركات). إن هذا هو الذي سنراه حين يحول طفل عصا المكنسة إلى حصان، وربما يتمثل تلك الساحرة التي تطير بعصاها، وسنراه حين يحول الطفل غطاء طنجرة إلى مقود سيارة، وحين يلعب الأطفال لعبة الأطفال والجنود، أو حين تضع طفلة نفسها في موقع معلمة تعلم إخوتها الذين هم في موضع التلاميذ ... إن العديد من الأمثلة التي يمكن استحضارها ببساطة شديدة حين فقط نتصور أو نشاهد الأطفال حين يلعبون.
§ وحين نأتي إلى تحليل كل هذه الأمثلة، وإن كانت في أبسط أشكالها درامية، فإننا سنرى صوراً جنينية يمكن تصويرها على النحو التالي: هناك سياق آت من واقع (سياق واقعي) يحيا فيه الأطفال (اللاعبون) ويعرفونه، فيستمدون منه ما يريدون (سياق الإطار الذي تم اختياره) عبر استخدام الدراما من قبل المشاركين (سياق وسيط)، وداخل هذا السياق الدرامي فإن ما يحدث هو أن هناك حالة تنبني (أسرة من أب وأم في لحظة، أو في لحظات معينة، كما في المثال الأول الذي ذكرناه آنفا) وبأن أدواراً تُتخذ (أب وأم) ويوجه هذا السياق عبر التبئير على وضعية أو حالة أو موقف أو سلوك أو فكرة (ما سيكون محور اللعبة التمثيلية بين الطفلين)، وهذا التبئير بدوره ستتم قيادته وتحريكه إلى الأمام عبر خلق توتر (صراع أو نزاع أو اختلاف) بين اللاعبين الصغيرين ينجلي ويتضح عبر مكان وزمان (المكان المتخيل: المطبخ مثلاً، وزمان متخيل: الصباح حين تتناول العائلة إفطارها)، ويتحقق ذلك عبر اللغة والحركة (فهما سيتحدثان مع بعضهما بلغة يفهمانها ويعرفانها، وسيحاولان تنفيذ حركات جسدية وإيماءات بالوجه لتجسيد دوري الأب والأم)من أجل خلق مزاج معين ورموز محددة (طبيعة الدورين: ففي المزاج سنرى حالة الأب النفسية وكذلك حالة الأم النفسية وسيعبران عن ذلك عبر كلام وحركات وإيماءات وهي صور رمزية) وعبرهما يتشكل المعنى الدرامي (إذا كان الأب يأمر والأم تنفذ مثلاً، فإن ذلك جزء من المعنى الذي يكوِّنانه، إضافة إلى محور الفعل والتعبيرات التي تنتج فيه).
فما هي (الدراما في التربية)؟
§ إذن الدراما في التعليم هي صيغة تربوية، فمن خلال تحديد الشخصيات وتخيل الأدوار والحالات التي تمر بها الشخصيات يمكن للأطفال اكتشاف القضايا والأحداث والعلاقات عبر توظيفهم لمعارفهم وخبراتهم في حياتهم الواقعية من أجل خلق عالم متخيل قابل للتصديق (درامياً) حيث يستدعون عبر خبراتهم عوالم عديدة ووضعيات مختلفة مستمدة من مصادرهم المعرفية (من المدرسة، العائلة، التلفزيون، الكتب، الأفلام، التجارب المباشرة ...) وقد يكون هذا الاستدعاء بسيطاً وسطحياً في أول الأمر غير أن المعلم هنا يلعب دوراً جوهرياً في تعميق الدراما، وبالتالي تعميق المعنى عبر إرشاداته وتوجيهاته للنشاط الدرامي الذي يقوده لتحقيق الغايات التعلمية التي يتطلع إليها، وفي هذا السياق، فإن الأطفال المشاركين في الدراما ليسوا بحاجة إلى مهارات فنية مسرحية معقدة كي يتمكنوا من الدخول في العالم الدرامي، بل يكفي أنهم يستطيعون وضع أنفسهم في موقع الشخصية التي يؤدون دورها، وبذلك يمكن للمؤشر في حجرة الصف أن يغدو حاجزاً يحمله طالبان (جنديان)، إن المهم هنا إنتاج عالم قابل "للتصديق" من قبل الأطفال والعمل فيه على أنه صورة متخيلة لصورة واقعية أو لصورة قد تحدث في الواقع.
§ وعلينا التأكيد بأن أهمية الدراما في عالمنا المعاصر تكاد تفوق أي شيء غيرها فهي موجودة في كل التكوينات الرمزية التي ينتجها البشر، سواء أكان ذلك أدباً أم مسرحاً أم دراما تلفزيونية أو حتى إعلانات تجارية. يقول (إسلن) عن التجربة الدرامية في الدول الصناعية " إننا… محاصرون بشبكة اتصال درامية، ويجب أن نفهم ونحلل أثرها علينا – وعلى أولادنا. إن انفجار الأشكال الدرامية للتعبير يعرّضنا جميعاً لمخاطر كبيرة في أن تستعبدنا أشكال ماكرة للتلاعب بوعينا بطريقة سامية بارعة، إلا أنها أيضاً تمنحنا فرصاً هائلة للإبداع" (1987).
§ كثيراً ما ينبني التصور حول التعليم على أنه عمل (جاد، صارم، يحتاج إلى معلمين عابسين، لا يضيعون دقيقة من وقتهم في توافه الأمور، فهم منشغلون بتشكيل جيل المستقبل الذي سيتحمل مسؤولية المجتمع وقيادته حينما يكتمل تشكيله وتتوفر له المؤهلات العلمية والمهاراتية كي يقوم بالدور المناط به.
§ فهي إذن، في جوهرها، متعددة الوجوه ومليئة بالتناقضات، وهذه هي الحياة الإنسانية أيضاً في حقيقتها. فما يمكن للدراما أن تحدثه يتمثل في أنها تمنحنا إمكانية لإعادة خلق حالات شعورية إنسانية عبر التخيل، كما تفتح لنا مجالاً كي نشارك في رؤية هذه الحالات الإنسانية والتفاعل معها بصور مختلفة وأبعاد متعددة، وبالتالي فهي تعمل على توسيع مجال تجاربنا وتعميق خبراتنا. ولتحقيق هذا التفاعل، فإن الدراما مرنة تماماً، ففيها نتحرك في الزمن كما نشاء، نعود تارة إلى لحظة زمنية مرّت، ونجرب إعادة تجسديها درامياً، أما في الواقع فإننا لا نستطيع أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. إن الخيال الدرامي يمنحنا تلك القدرة على التحرك في الأزمنة والأمكنة كلما شئنا ذلك وبناء على الغايات التي نريدها، فالزمن في الدراما قابل للتطويع أما في الواقع فهو زمن لا ينظر إلى الخلف ولا يتوقف أيضاً.
§ الدراما هي مجال مشحون بدافعية قوية بغية تصوير التجارب الإنسانية، والتواصل ما بين المشتركين فيه بهدف فهم هذه التجارب، وهو في هذا الإطار يمنحها شكلاً ومعنى. وقد تطورت الدراما تاريخياً، بحيث تضمنت أشكالاً مختلفة وأساليب متنوعة الأشكال والتقنيات. إن الدراما قادرة على منح الطلاب فرصاً لاختبار التجارب الإنسانية وفحصها عبر الأدوار والحالات المتخيّلة، كما أنها تمنح المشاركين فيها إمكانية تقييم مساهمتها في المجالات الخاصة بطبيعة حياتهم ونوعيتها. وهي بهذا المعنى تقدم للطلاب نمطاً قوياً من التعبير؛ فهي عملية مبدعة تفاعلية يشترك فيها الفرد في علاقة مع الآخرين والبيئة. وهي تنعكس على السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية التي نتواجد فيها وتؤثر فيها.
يساعد تعلم الدراما الطلاب على تطوير قدراتهم في الانتقال من حالاتهم الفعلية الواقعية وأدوارهم فيها إلى الحالات الخيالية أو المفترضة والأدوار. هذه القدرة تمنحهم استبصاراً فريداً لهذه السياقات وتفتح أمامهم نافذة يرون عبرها الأفكار والقيم والثقافات، واستكشافها، وتحدّيها. إن معرفة الخبرات في الدراما يمنح الطلاب دروباً فريدة في التفكير والمعرفة تساعد المتعلّمين على الاستعداد والتهيؤ للتحديات الحالية والمستقبلية. كما يساهم تعلم الدراما على تطوير تعلم الشخص الذي يتعلم عبر منحه الفرص لمواجهة الحالات
[1]- روائي وناقد إيطالي، من أشهر أعماله الروائية "بندول فوكو" و"اسم الوردة" و"جزيرة اليوم السابق".
[2]- يرد هذا النص في كتيب لإيكو بعنوان "حاشية على اسم الوردة" يتناول فيه آليات كتابته لروايته "اسم الوردة".
[3]- هناك الكثير من الدراسات التي تناول جذور المسرح العربي، ومن بينها كتاب (ألف عام وعام على المسرح العربي)
محمد جعفر- ♕ المعالي ♕
- جائزه تسجيل للعام 10 اعوامتاج 100 موضوعتاج المواضيععدد المشاركات بالمواضيع المميزهجائزه المواضيع امميزه
- عدد الرسائل : 840
العمل/الترفيه : اخصائي نفسي تربوي
الابراج :
الموقع : فلسطين
احترام القانون :
المزاج : ربنا يسهل
نقاط : 11522
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 18/11/2010
رد: الدراما في السياق التربوي
§ المشابهة لتلك التي قد يصادفها في الحياة الحقيقية، بهدف تحديد الاختيارات، وتحمّل مسؤولية عمله في بيئة طبيعية وآمنة. كما أن تعلم الدراما يساعد الطلاب على النمو الثقافي عبر توسيع قدرتهم على التفكير المبدع، والتعبير، والتفكير النقدي.
§ تقدم الدراما لكلّ المتعلّمين فرصة للتفكير المجازي والاستعاري وتطوير المرونة الثقافية. إنها تعمل على الجَسر ما بين الواقعي والمتخيل، الملموس والرمزي، العملي والملهم. إنها تدعم عملية النمو الثقافي التي ينخرط فيها كلّ المتعلّمين حينما يقومون بإنتاج دلالة لها معنى لعالمهم عبر دمج المعرفة والتجربة معاً في سياق تضافري واحد. كما يساهم تعلم الدراما في تنمية المتعلم إنسانياً واجتماعياً؛ فالدراما هي عملية اجتماعية، تجسّد تعلماً نشطاً مستنداً إلى التفاعل الإنساني: إنها تعكس جزءاً من حياة الطلاب اليومية كلما اتصلوا بالآخرين، واختبروا توتراً، وحلوا نزاعاً، وخلقوا معنى في عالمهم؛ فهم -كيافعين- ينخرطون في اللعب الدرامي بصورة تلقائية، وبخاصة في بناء الشخصية الإنسانية، بما في ذلك من احتفالية تنشأ عن الخيال والتجارب الشخصية. فكلما نموا باتجاه سن الرشد، فإنهم يتبنّون أساليب مختلفة من السلوك مع الناس المختلفين، ويزيّنون القصص كما يعيدون حساباتهم، ويدخلون في عالم الخيال عبر المواد المطبوعة والأجهزة الإعلامية - السمعية البصرية.
§ تعلُّمُ الدراما يحسن النمو المهني ويحقق نمواً شخصياً وثقة بالنفس، التي هي مهمة في كلّ المهن. إن المعرفة، والمهارات، والمواقف التي تكتسب عبر برنامج الدراما ستكون ثمينة وقيمة في أيّ مهنة؛ فمهارات الدراما يمكن توظيفها في مسيرتهم المهنية. كما أن بعض الطلاب سيطوّرون مهاراتهم في مجالات التمثيل، والإخراج، وكتابة النص المسرحي، ومهنة المسرح، وعبر تعلم الدراما يزيد الطلاب معرفتهم وتقديرهم للمسرح، والفنون الدرامية، وكلّ الفنون الجميلة. كما يمنح تعلم الدراما فرصاً للطلاب لحضور عروض مسرحية محترفة وعروض مجتمعية درامية، كما أنه يطور مهاراتهم كجمهور مطّلع وقادر على التفكير العميق بما يشاهده.
§ تعلّم الدراما يحسّن التعلّم في كلّ المجالات الأخرى. فعبر الدراما، يغدو الطلاب قادرين على إقامة الصلات ما بين التعلّم السابق والحالي، بالإضافة إلى الروابط ما بين المجالات والموضوعات المختلفة، وبذلك يصبح التعلّم على صلة شخصية بالمتعلم وناسجاً علاقة متينة معه.
§ إذا رغبنا في توظيف الدراما توظيفا مثمراً في عمليتي التعليم والتعلم المتداخلتين فينبغي التمييز بين أشكال من الدراما تتمثل في اللعب واللعب الدرامي؛[1] فاللعب الدرامي متنوع، فهو متدرج منذ سني الطفل المبكرة إلى أولئك الأكبر سناً الذين يعملون في عالمي الفن والأدب، حيث آخر أشكال اللعب الدرامي في المسرح والأدب المعاصرين؛ فالطفل في سني لعبه الأولى يمتطي عصا فتغدو حصاناً، ويقود غطاء طنجرة فتصبح مقود سيارة، تحمل الطفلة لعبتها على أنها الطفلة وهي الأم، وتقف وحيدة في غرفتها أو مع نظرائها لتصبح معلمة ... إلى آخر ذلك من الصور التي يراقب فيها الأهل صغارهم وهم يلعبون. وبالمقابل، فإننا نرى المسرحيين في العالم يسمون عملهم الدرامي على المنصة أو في أي فضاء مسرحي آخر (في الشارع والمقهى، والسيرك، وبعض تقاليد الاحتفال في الأعراس الشعبية ... الخ) باللعبة المسرحية، كما أننا سنجد تعبيراً دارجاً آخر هو اللعبة الروائية نسبة إلى بناء الرواية كلعبة.
§ تبدأ الدراما لدى الطفل من لعبٍ حر، لعب يقوم أساساً على التخيل، وحين نقوم بتنظيم عملية اللعب وبنائها وفق انتظام معين وتخطيط محدد، فإننا ندفع باللعب إلى سياق جديد، وهذا السياق الجديد المنظم يعود بنا مرة أخرى إلى اللعب الحرِّ، ولكنه في هذه المرة يكون قد انبنى على الفضول والاستكشاف والاندماج والإبداعية معاً، ولم يقتصر على واحدة منها أو اثنتين، ولذلك فإن اللعب الحر في هذه المرحلة المنظمة للعب الحر سيضفي أبعاداً جديدة على عملية اللعب، بحيث يتمكن من توظيف خبراته ومعارفه السابقة في إنتاج خبرة جديدة مبنية على التحدي، إنَّ هذا التحدي هو في الحقيقة المحرك لعملية النمو ذاتها، النمو الجسدي والعقلي والانفعالي. إن هذه العملية المنظمة تتحقق عبر عمليّة تشارك مع آخرين، وهؤلاء الآخرون يتمثلون بصورٍ عدة؛ معلم أو بالغ، أو زميل أو لعبة (مادية أو متخيلة)... . وهذه المشاركة مع آخر تدفع بعملية النمو من المستوى الحقيقي الظاهري لنمو الطفل إلى مستوى نمو ممكنة. إن المنطقة التي تقع بين هذين المستويين هي ما يسميها فيجوتسكي منطقة النمو المجاورة أو (منطقة النمو الممكنة)[2]. فهي تتضمن إمكانات الطفل الكامنة أو الجزئية، وعبر عملية المشاركة بالمساعدة من قبل آخر يتم الانتقال الممكن من مستوى النمو الفعلي إلى مستوى النمو الممكن، وتسمى عملية المساعدة هذه بعملية التسقيل (scaffolding)؛ فالمُساعد يهيئ السقالات لإنجاز عملية بناء المستوى التالي، ويُمَكِّنُ الطفلَ من الصعود عليها، وحينما يكتمل بناء هذا المستوى التالي، فإن الطفل لن يعود في حاجة إلى تلك المساعدة، فهو يستطيع الآن أن ينجز المهمات بمفرده، لأن مستوى النمو الممكن بات هو مستوى النمو الفعلي، وعندها سيغدو الطفل في مستوى نمو فعلي جديد، وآخر ممكن في الأفق، وهناك إمكانات كامنة جديدة تقتضي مساندة جديدة.
§ إن تعبير "اللعب" هو تعبير رائج إذن، ولكن دوافعه وأشكاله وغاياته متنوعة، تختلف حيناً وتتآلف أحياناً، ولكنها هي "اللعبة" في النهاية، سواء اتخذت لها منحى اللهو والتسلية التام أم اتخذت الجدية والصرامة منحى لها، دون أن ننسى التدرج فيما بينهما، والتراوح ما بين مسافتين إلى أقصاهما، طرفها الأول التسلية المطلقة وطرفها الثاني الجدية المطلقة.
§ التدرج لا يعني الانتقال من مستوى إلى آخر بصورة باترة، فالمرحلة اللاحقة تحمل معها عناصر من المرحلة التي سبقتها، تهضمها وتحمل خصائص من المرحلة السابقة وتضيف خصائص جديدة تصبح جزءاً من النسيج الكلي عبر عملية تحول معقدة. فسنجد للمرحلة "التلقائية" مثلاً حضوراً في المرحلة "المخططة" كما سنجدها في مرحلة "الإبداعية المسرحية". يشترك الارتجال في كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث.
§ إن خط التحول الذي ينتقل بنا من مرحلة إلى أخرى، لا يحدث قطيعة ما بين هذه المراحل، فكل مرحلة تحمل في رحمها خصائص من المرحلة التي سبقتها، كما أن التحول "النامي" لا يتحرك وفق آلية صاعدة خطية، بل إن هناك تفاعلاً يحدث بين هذه المراحل، يأخذ شكل الارتداد حيناً وشكل التلاحق حينا آخر. إن أحد الأمثلة التي تضيء هذه الفكرة بصورة جلية تتمثل في خصيصة "الارتجال الدرامي"[3] فهو حاضر مع المرحلة الأولى "التلقائية"، حيث الأطفال يرتجلون في لعبهم الدرامي، كما أنهم يرتجلون في المرحلة الثانية "المخططة" حيث كثيراً من الأعراف الدرامية التي يعملون ضمن قواعدها تتيح لهم الارتجال، ونجد الارتجال أسلوباً بادي التأثير في المرحلة "الإبداعية"، حيث المسرح يقوم في كثير من مدارسه وأساليبه على الارتجال المسرحي. إن الارتجال عبر هذه المراحل الثلاث ليس واحداً وفي الوقت نفسه ليس شيئاً مختلفاً تماماً.
§ إذا أردنا توظيفاً مثمراً للدراما في عملية التعليم والتعلم، لا يمكننا أن نطلب من الأطفال أن ينتجوا مشهداً مسرحياً يتناول هذا الموضوع أو ذلك وكفى! أو أن نقدم لهم نصاً مسرحياً، ونقول لهم تدربوا عليه ومثلوه أمام زملائكم وناقشوه، ونكتفي بذلك! قد نقوم بعمل من هذا النوع مرة، مرتين، ثلاث ... ولكن يبقى السؤال: وماذا بعد ذلك؟! أليس هذا، على أهميته، يحتاج، مثلاً، إلى تعميقه، وتوظيفه في إنتاج معانٍ جديدة، ودون ذلك سيبقى عملاً، في معظم الأحيان إن لم يكن في جميعها، عملاً برانياً، مسطحاً، لا يحقق للمشتركين فيه خبرة تراكمية مثمرة تتلاءم مع إمكاناتهم الحقيقة وقدراتهم الكامنة. لذلك، فإن الدراما في التربية هي عملية بناء متأنية تدقق في الغايات وتتفحص الأساليب المناسبة للوصول إلى تلك الغايات، وفي ضوء ذلك، فهناك الكثير مما ينبغي عمله كي لا تكون الدراما مجرد تسلية مفرَّغة من إنتاج المعنى وتعميقه لدى المشتركين فيها، ولذلك فإن عملية إنتاج اللحظة الدرامية أو المشهد الدرامي يقتضي عملاً دؤوباً يوظف طاقات المشتركين، ويبني عليها، وعبر هذا التوظيف يحقق المشتركون خبرات جديدة وهكذا. وهنا بالضبط تأتي أهمية ما يسمى بالأعراف الدرامية التي لا تمكننا فقط من إنتاج الدراما بل تمكننا من تعميق فهمنا لها عبر تعميقها وفتح مسارات جديدة لتحولاتها في سياق عملية تفاعلية يشترك فيها كل التلاميذ. هؤلاء التلاميذ الذين ستتوفر فيهم الثقة ويحسون بأن لكل واحد منهم ما لديه ليقدمه للدراما، ويقدمه لزملائه، وبالمقابل فإنه سيشعر بما تقدمه له بدورها.
§ إن ما تقترحه الدراما في التربية لا ينحي جانباً "اللعب الحر" أو "اللعب ضمن لعبة ذات قواعد وتعليمات" كالألعاب الشعبية التي نعرفها جميعاً، بل هو ينتقل باللعب من هذين المستويين إلى مستوى ثالث جديد، متعدد الطبقات والأبعاد؛ وما ينطبق على اللعب ينطبق على الدراما "فالدراما الحرة" ضرورية للطفل في سني عمره المختلفة، كما أن الدراما المقيدة بفكرة أو بنص أو بحالة هي ضرورية أيضا، وكلاهما يحقق خبرة تعلمية وجمالية للمشارك فيهما، ولكن "الدراما في التربية" تفيد من كليهما وتبني عليهما؛ فهي تنتقل باللعبة الدرامية إلى مستويات جديدة وإلى فضاءات أرحب، وتحفر في طبقات المعنى كلما تقدمت؛ ولكي يحدث ذلك فلا بد من "دراما تفاعلية"، لها منطلقات كما لها غايات، وعبر منطلقاتها وغاياتها هناك عمليات تحدث فيما بينهما، وهنا يأتي دور "الأعراف الدرامية" في سياق هذه العملية المتكاملة.
ما الفائدة من توظيف الدراما في سياق تربوي؟
§ العديد من التساؤلات يمكن أن تجد لها مكاناً في حوار متعلق بالدراما ودورها في التعلم وفي إنتاج خبرة جديدة للمشارك فيها، ومنها: ما الفرق بين الدراما والمسرح؟ أليسا هما شيئاً واحداً؟ هل الدراما في المدرسة تعمل من أجل تطوير قدرات التلاميذ على التمثيل؟ هل المقصود هو عمل مشاهد مسرحية تتضمن قيماً تعليمية؟ كيف يمكن للدراما أن توّظف في تعليم الموضوعات المختلفة، وبخاصة العلمية منها؟ هل على المعلم أن يكون محترفاً في مجال التمثيل كي يكون قادراً على توظيف الدراما في حجرة صفه؟ إن طرح مثل هذه التساؤلات يبدو مهماً لأنه يقع في صلب عملية الفهم المراد تحققها لأنه دون إدراك لدور الدراما ووظائفها وتطلعاتها، فإن أي عمل في هذا المجال سيبدو عملاً منبتاً عن سياقه والظروف التي أنتجته.
§ ولأن الدراما فعل اجتماعي فهي فعل اتصالي بالضرورة، يحتاج إلى تنميته الارتقاء بمهارات الاتصال والتواصل، ولذلك فإن المنخرطين في الدراما يتمكنون من ممارسة مهارات الاتصال وتنميتها، وهذه المهارات هي مهارات متعددة الأبعاد، وتندرج في إطار من التنوع الاتصالي – التواصلي؛ فحين ينخرط الطفل في فعل درامي، فإن ذلك لا يقتضي منه توظيف مهارات اتصالية عديدة يمتلكها، بل أيضاً البناء عليها وتنميتها، فكلما تحسنت مقدرته على الاتصال، فإن ذلك يعني انخراطاً أوثق في الفعل الدرامي، وكذلك يعني استكشافاً أعمق للمعاني والدلالات التي يتيحها السياق الدرامي الذي يشتغل فيه، إن الدراما عملياً توظف إمكانات المشاركة المتوافرة لديه (الظاهرة والكامنة) وتعمل على تنمية إمكانات جديدة عبر الانخراط فيها.
§ فالمشاركة في الدراما تقتضي أن يكون الاتصال الكلامي مثلاً (كأحد المكونات الأساسية في العملية الدرامية) متسماً بالوضوح والجلاء، ولكي يتحقق ذلك فإن الدراما تساعد الطفل على أن ينمي مهاراته في الأداء الكلامي فيمارس الترنيم والتنبير والترتيل، ويبحث عن اللفظ المناسب والتركيب الكلامي الملائم، وسيساعده ذلك على إقامة الفروق في التعبير بين حالة وأخرى، وسياق وآخر، وهذا سيمنحه المقدرة على استكشاف الاختلاف والتفاعل مع التغيير الذي يقتضيه المقام.
[2] The Zone of Proximal Development (ZPD)
[3]- لا يعنى بالارتجال هنا المفهوم السائد الذي يدلّ على الخروج على النص في العمل المسرحي، كما لا يعني اتخاذ خطوة تتسم بعدم التخطيط والتدقيق والتفحص في الحياة الاجتماعية. الارتجال هنا مفهوم أكثر اتساعاً ينطلق من معطيات ويتحرك وفق علاقات وسياقات تفضي إلى إنتاج معنى.
§ تقدم الدراما لكلّ المتعلّمين فرصة للتفكير المجازي والاستعاري وتطوير المرونة الثقافية. إنها تعمل على الجَسر ما بين الواقعي والمتخيل، الملموس والرمزي، العملي والملهم. إنها تدعم عملية النمو الثقافي التي ينخرط فيها كلّ المتعلّمين حينما يقومون بإنتاج دلالة لها معنى لعالمهم عبر دمج المعرفة والتجربة معاً في سياق تضافري واحد. كما يساهم تعلم الدراما في تنمية المتعلم إنسانياً واجتماعياً؛ فالدراما هي عملية اجتماعية، تجسّد تعلماً نشطاً مستنداً إلى التفاعل الإنساني: إنها تعكس جزءاً من حياة الطلاب اليومية كلما اتصلوا بالآخرين، واختبروا توتراً، وحلوا نزاعاً، وخلقوا معنى في عالمهم؛ فهم -كيافعين- ينخرطون في اللعب الدرامي بصورة تلقائية، وبخاصة في بناء الشخصية الإنسانية، بما في ذلك من احتفالية تنشأ عن الخيال والتجارب الشخصية. فكلما نموا باتجاه سن الرشد، فإنهم يتبنّون أساليب مختلفة من السلوك مع الناس المختلفين، ويزيّنون القصص كما يعيدون حساباتهم، ويدخلون في عالم الخيال عبر المواد المطبوعة والأجهزة الإعلامية - السمعية البصرية.
§ تعلُّمُ الدراما يحسن النمو المهني ويحقق نمواً شخصياً وثقة بالنفس، التي هي مهمة في كلّ المهن. إن المعرفة، والمهارات، والمواقف التي تكتسب عبر برنامج الدراما ستكون ثمينة وقيمة في أيّ مهنة؛ فمهارات الدراما يمكن توظيفها في مسيرتهم المهنية. كما أن بعض الطلاب سيطوّرون مهاراتهم في مجالات التمثيل، والإخراج، وكتابة النص المسرحي، ومهنة المسرح، وعبر تعلم الدراما يزيد الطلاب معرفتهم وتقديرهم للمسرح، والفنون الدرامية، وكلّ الفنون الجميلة. كما يمنح تعلم الدراما فرصاً للطلاب لحضور عروض مسرحية محترفة وعروض مجتمعية درامية، كما أنه يطور مهاراتهم كجمهور مطّلع وقادر على التفكير العميق بما يشاهده.
§ تعلّم الدراما يحسّن التعلّم في كلّ المجالات الأخرى. فعبر الدراما، يغدو الطلاب قادرين على إقامة الصلات ما بين التعلّم السابق والحالي، بالإضافة إلى الروابط ما بين المجالات والموضوعات المختلفة، وبذلك يصبح التعلّم على صلة شخصية بالمتعلم وناسجاً علاقة متينة معه.
§ إذا رغبنا في توظيف الدراما توظيفا مثمراً في عمليتي التعليم والتعلم المتداخلتين فينبغي التمييز بين أشكال من الدراما تتمثل في اللعب واللعب الدرامي؛[1] فاللعب الدرامي متنوع، فهو متدرج منذ سني الطفل المبكرة إلى أولئك الأكبر سناً الذين يعملون في عالمي الفن والأدب، حيث آخر أشكال اللعب الدرامي في المسرح والأدب المعاصرين؛ فالطفل في سني لعبه الأولى يمتطي عصا فتغدو حصاناً، ويقود غطاء طنجرة فتصبح مقود سيارة، تحمل الطفلة لعبتها على أنها الطفلة وهي الأم، وتقف وحيدة في غرفتها أو مع نظرائها لتصبح معلمة ... إلى آخر ذلك من الصور التي يراقب فيها الأهل صغارهم وهم يلعبون. وبالمقابل، فإننا نرى المسرحيين في العالم يسمون عملهم الدرامي على المنصة أو في أي فضاء مسرحي آخر (في الشارع والمقهى، والسيرك، وبعض تقاليد الاحتفال في الأعراس الشعبية ... الخ) باللعبة المسرحية، كما أننا سنجد تعبيراً دارجاً آخر هو اللعبة الروائية نسبة إلى بناء الرواية كلعبة.
§ تبدأ الدراما لدى الطفل من لعبٍ حر، لعب يقوم أساساً على التخيل، وحين نقوم بتنظيم عملية اللعب وبنائها وفق انتظام معين وتخطيط محدد، فإننا ندفع باللعب إلى سياق جديد، وهذا السياق الجديد المنظم يعود بنا مرة أخرى إلى اللعب الحرِّ، ولكنه في هذه المرة يكون قد انبنى على الفضول والاستكشاف والاندماج والإبداعية معاً، ولم يقتصر على واحدة منها أو اثنتين، ولذلك فإن اللعب الحر في هذه المرحلة المنظمة للعب الحر سيضفي أبعاداً جديدة على عملية اللعب، بحيث يتمكن من توظيف خبراته ومعارفه السابقة في إنتاج خبرة جديدة مبنية على التحدي، إنَّ هذا التحدي هو في الحقيقة المحرك لعملية النمو ذاتها، النمو الجسدي والعقلي والانفعالي. إن هذه العملية المنظمة تتحقق عبر عمليّة تشارك مع آخرين، وهؤلاء الآخرون يتمثلون بصورٍ عدة؛ معلم أو بالغ، أو زميل أو لعبة (مادية أو متخيلة)... . وهذه المشاركة مع آخر تدفع بعملية النمو من المستوى الحقيقي الظاهري لنمو الطفل إلى مستوى نمو ممكنة. إن المنطقة التي تقع بين هذين المستويين هي ما يسميها فيجوتسكي منطقة النمو المجاورة أو (منطقة النمو الممكنة)[2]. فهي تتضمن إمكانات الطفل الكامنة أو الجزئية، وعبر عملية المشاركة بالمساعدة من قبل آخر يتم الانتقال الممكن من مستوى النمو الفعلي إلى مستوى النمو الممكن، وتسمى عملية المساعدة هذه بعملية التسقيل (scaffolding)؛ فالمُساعد يهيئ السقالات لإنجاز عملية بناء المستوى التالي، ويُمَكِّنُ الطفلَ من الصعود عليها، وحينما يكتمل بناء هذا المستوى التالي، فإن الطفل لن يعود في حاجة إلى تلك المساعدة، فهو يستطيع الآن أن ينجز المهمات بمفرده، لأن مستوى النمو الممكن بات هو مستوى النمو الفعلي، وعندها سيغدو الطفل في مستوى نمو فعلي جديد، وآخر ممكن في الأفق، وهناك إمكانات كامنة جديدة تقتضي مساندة جديدة.
§ إن تعبير "اللعب" هو تعبير رائج إذن، ولكن دوافعه وأشكاله وغاياته متنوعة، تختلف حيناً وتتآلف أحياناً، ولكنها هي "اللعبة" في النهاية، سواء اتخذت لها منحى اللهو والتسلية التام أم اتخذت الجدية والصرامة منحى لها، دون أن ننسى التدرج فيما بينهما، والتراوح ما بين مسافتين إلى أقصاهما، طرفها الأول التسلية المطلقة وطرفها الثاني الجدية المطلقة.
§ التدرج لا يعني الانتقال من مستوى إلى آخر بصورة باترة، فالمرحلة اللاحقة تحمل معها عناصر من المرحلة التي سبقتها، تهضمها وتحمل خصائص من المرحلة السابقة وتضيف خصائص جديدة تصبح جزءاً من النسيج الكلي عبر عملية تحول معقدة. فسنجد للمرحلة "التلقائية" مثلاً حضوراً في المرحلة "المخططة" كما سنجدها في مرحلة "الإبداعية المسرحية". يشترك الارتجال في كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث.
§ إن خط التحول الذي ينتقل بنا من مرحلة إلى أخرى، لا يحدث قطيعة ما بين هذه المراحل، فكل مرحلة تحمل في رحمها خصائص من المرحلة التي سبقتها، كما أن التحول "النامي" لا يتحرك وفق آلية صاعدة خطية، بل إن هناك تفاعلاً يحدث بين هذه المراحل، يأخذ شكل الارتداد حيناً وشكل التلاحق حينا آخر. إن أحد الأمثلة التي تضيء هذه الفكرة بصورة جلية تتمثل في خصيصة "الارتجال الدرامي"[3] فهو حاضر مع المرحلة الأولى "التلقائية"، حيث الأطفال يرتجلون في لعبهم الدرامي، كما أنهم يرتجلون في المرحلة الثانية "المخططة" حيث كثيراً من الأعراف الدرامية التي يعملون ضمن قواعدها تتيح لهم الارتجال، ونجد الارتجال أسلوباً بادي التأثير في المرحلة "الإبداعية"، حيث المسرح يقوم في كثير من مدارسه وأساليبه على الارتجال المسرحي. إن الارتجال عبر هذه المراحل الثلاث ليس واحداً وفي الوقت نفسه ليس شيئاً مختلفاً تماماً.
§ إذا أردنا توظيفاً مثمراً للدراما في عملية التعليم والتعلم، لا يمكننا أن نطلب من الأطفال أن ينتجوا مشهداً مسرحياً يتناول هذا الموضوع أو ذلك وكفى! أو أن نقدم لهم نصاً مسرحياً، ونقول لهم تدربوا عليه ومثلوه أمام زملائكم وناقشوه، ونكتفي بذلك! قد نقوم بعمل من هذا النوع مرة، مرتين، ثلاث ... ولكن يبقى السؤال: وماذا بعد ذلك؟! أليس هذا، على أهميته، يحتاج، مثلاً، إلى تعميقه، وتوظيفه في إنتاج معانٍ جديدة، ودون ذلك سيبقى عملاً، في معظم الأحيان إن لم يكن في جميعها، عملاً برانياً، مسطحاً، لا يحقق للمشتركين فيه خبرة تراكمية مثمرة تتلاءم مع إمكاناتهم الحقيقة وقدراتهم الكامنة. لذلك، فإن الدراما في التربية هي عملية بناء متأنية تدقق في الغايات وتتفحص الأساليب المناسبة للوصول إلى تلك الغايات، وفي ضوء ذلك، فهناك الكثير مما ينبغي عمله كي لا تكون الدراما مجرد تسلية مفرَّغة من إنتاج المعنى وتعميقه لدى المشتركين فيها، ولذلك فإن عملية إنتاج اللحظة الدرامية أو المشهد الدرامي يقتضي عملاً دؤوباً يوظف طاقات المشتركين، ويبني عليها، وعبر هذا التوظيف يحقق المشتركون خبرات جديدة وهكذا. وهنا بالضبط تأتي أهمية ما يسمى بالأعراف الدرامية التي لا تمكننا فقط من إنتاج الدراما بل تمكننا من تعميق فهمنا لها عبر تعميقها وفتح مسارات جديدة لتحولاتها في سياق عملية تفاعلية يشترك فيها كل التلاميذ. هؤلاء التلاميذ الذين ستتوفر فيهم الثقة ويحسون بأن لكل واحد منهم ما لديه ليقدمه للدراما، ويقدمه لزملائه، وبالمقابل فإنه سيشعر بما تقدمه له بدورها.
§ إن ما تقترحه الدراما في التربية لا ينحي جانباً "اللعب الحر" أو "اللعب ضمن لعبة ذات قواعد وتعليمات" كالألعاب الشعبية التي نعرفها جميعاً، بل هو ينتقل باللعب من هذين المستويين إلى مستوى ثالث جديد، متعدد الطبقات والأبعاد؛ وما ينطبق على اللعب ينطبق على الدراما "فالدراما الحرة" ضرورية للطفل في سني عمره المختلفة، كما أن الدراما المقيدة بفكرة أو بنص أو بحالة هي ضرورية أيضا، وكلاهما يحقق خبرة تعلمية وجمالية للمشارك فيهما، ولكن "الدراما في التربية" تفيد من كليهما وتبني عليهما؛ فهي تنتقل باللعبة الدرامية إلى مستويات جديدة وإلى فضاءات أرحب، وتحفر في طبقات المعنى كلما تقدمت؛ ولكي يحدث ذلك فلا بد من "دراما تفاعلية"، لها منطلقات كما لها غايات، وعبر منطلقاتها وغاياتها هناك عمليات تحدث فيما بينهما، وهنا يأتي دور "الأعراف الدرامية" في سياق هذه العملية المتكاملة.
ما الفائدة من توظيف الدراما في سياق تربوي؟
§ العديد من التساؤلات يمكن أن تجد لها مكاناً في حوار متعلق بالدراما ودورها في التعلم وفي إنتاج خبرة جديدة للمشارك فيها، ومنها: ما الفرق بين الدراما والمسرح؟ أليسا هما شيئاً واحداً؟ هل الدراما في المدرسة تعمل من أجل تطوير قدرات التلاميذ على التمثيل؟ هل المقصود هو عمل مشاهد مسرحية تتضمن قيماً تعليمية؟ كيف يمكن للدراما أن توّظف في تعليم الموضوعات المختلفة، وبخاصة العلمية منها؟ هل على المعلم أن يكون محترفاً في مجال التمثيل كي يكون قادراً على توظيف الدراما في حجرة صفه؟ إن طرح مثل هذه التساؤلات يبدو مهماً لأنه يقع في صلب عملية الفهم المراد تحققها لأنه دون إدراك لدور الدراما ووظائفها وتطلعاتها، فإن أي عمل في هذا المجال سيبدو عملاً منبتاً عن سياقه والظروف التي أنتجته.
§ ولأن الدراما فعل اجتماعي فهي فعل اتصالي بالضرورة، يحتاج إلى تنميته الارتقاء بمهارات الاتصال والتواصل، ولذلك فإن المنخرطين في الدراما يتمكنون من ممارسة مهارات الاتصال وتنميتها، وهذه المهارات هي مهارات متعددة الأبعاد، وتندرج في إطار من التنوع الاتصالي – التواصلي؛ فحين ينخرط الطفل في فعل درامي، فإن ذلك لا يقتضي منه توظيف مهارات اتصالية عديدة يمتلكها، بل أيضاً البناء عليها وتنميتها، فكلما تحسنت مقدرته على الاتصال، فإن ذلك يعني انخراطاً أوثق في الفعل الدرامي، وكذلك يعني استكشافاً أعمق للمعاني والدلالات التي يتيحها السياق الدرامي الذي يشتغل فيه، إن الدراما عملياً توظف إمكانات المشاركة المتوافرة لديه (الظاهرة والكامنة) وتعمل على تنمية إمكانات جديدة عبر الانخراط فيها.
§ فالمشاركة في الدراما تقتضي أن يكون الاتصال الكلامي مثلاً (كأحد المكونات الأساسية في العملية الدرامية) متسماً بالوضوح والجلاء، ولكي يتحقق ذلك فإن الدراما تساعد الطفل على أن ينمي مهاراته في الأداء الكلامي فيمارس الترنيم والتنبير والترتيل، ويبحث عن اللفظ المناسب والتركيب الكلامي الملائم، وسيساعده ذلك على إقامة الفروق في التعبير بين حالة وأخرى، وسياق وآخر، وهذا سيمنحه المقدرة على استكشاف الاختلاف والتفاعل مع التغيير الذي يقتضيه المقام.
وسيم الكردي
[2] The Zone of Proximal Development (ZPD)
[3]- لا يعنى بالارتجال هنا المفهوم السائد الذي يدلّ على الخروج على النص في العمل المسرحي، كما لا يعني اتخاذ خطوة تتسم بعدم التخطيط والتدقيق والتفحص في الحياة الاجتماعية. الارتجال هنا مفهوم أكثر اتساعاً ينطلق من معطيات ويتحرك وفق علاقات وسياقات تفضي إلى إنتاج معنى.
ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ
إنتبه !
نحن لانود اجباركم على الرد بأى وسيله كانت كاخفاء الروابط حتى يتم الرد اولا وغيرها
من الوسائل المهينة في نظري لشخصية العضو فلا تحبط من قام بتسخير نفسه لكتابة الموضوع ورفع محتوياته..
فلا تبخل وارفع من معناوياته ولن يكلفك مثلما تكلف هو بوضع ما يفيدك فقط اضغط على الرد السريع واكتب شكراً
وأنت المستفيد لأنك ستولد بداخله طاقه لخدمتك كل ما نريد هو ان تفيد وتستفيد بشكل أكثر تحضرا
وشكرا للجميع
محمد جعفر- ♕ المعالي ♕
- جائزه تسجيل للعام 10 اعوامتاج 100 موضوعتاج المواضيععدد المشاركات بالمواضيع المميزهجائزه المواضيع امميزه
- عدد الرسائل : 840
العمل/الترفيه : اخصائي نفسي تربوي
الابراج :
الموقع : فلسطين
احترام القانون :
المزاج : ربنا يسهل
نقاط : 11522
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 18/11/2010
مواضيع مماثلة
» البرنامج التدريبي على البحث التربوي للعاملين في الحقل التربوي
» أنواع الإشراف التربوي - 1
» المفهوم, التــربوي،, التقــويم, بين, والأنمـــاط, والطرائــق
» الإشراف التربوي
» التقويم التربوي والتغذية الراجعة
» أنواع الإشراف التربوي - 1
» المفهوم, التــربوي،, التقــويم, بين, والأنمـــاط, والطرائــق
» الإشراف التربوي
» التقويم التربوي والتغذية الراجعة
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: رسـائل ماجستـيــر ودكتـــوراة و بـحـوث جـامعيـة الابحــاث الأدبيــة والإداريـــة :: ابحاث التعليم والمعلمين والمناهج
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى