الوسواس القهرى
الوسواس من الأمراض النفسية التى انتشرت فى الآؤنة الأخيرة بشكل لافت للانتباه حيث أصبحنا نرى كثيرا فى حياتنا المريض الوسواس ذو الطقوس والعادات الغريبة والشاذة والأفكار المرضية ..لذا حاولنا فى هذا العدد من المجلة أن نلقى الضوء على مرض الوسواس القهرى من حيث أعراضه وأسبابه ومدى انتشاره بين أفراد المجتمع المصرى ..ونسبة شفاء المريض وطرق العلاج الحديثة .. المخاوف الدينية _فى البداية يقول :الدكتور /جمال ماضي أبو العزائم أن الوسواس القهرى فى تزايد ..وكنا منذ 50سنة نجد الحالات الوسواسية بين الأمراض النفسية بنسبة مئوية قليلة ولكن مع تعقد الحياة وزيادة القلق والتوتر الاكتئاب أصبحت هناك خلفية كبيرة تساعد على ظهور مرض الوسواس القهرى مع أن هذا المرض ينتج عن اضطراب العمليات الكيمائية بالأجهزة العصبية المركزية إلا أن الحياة النفسية للناس لها أيضا التأثير على الأجهزة العصبية المركزية التى تضطرب نتيجة لاستمرار القلق والمخاوف خاصة المخاوف الدينية وهذه الظاهرة لاحظناها حول مرض الوسواس .. ومن الملاحظات التي وجدناها أيضا إن مرض الوسواس خاصة إذا كانت الأعراض هي وسوسة دينية يزداد قلقهم .. ويكون هذا مدعاة لاستمرار سؤالهم لرجال الدعوة الدينية حول موقفهم هل هو حرام ؟ وكيف يستطيعون التخلص من هذه الأفكار .. لذا كان علي رجال الطب النفسي أن يحاولوا إقناع الدعاة أن هذه الأفكار لا يمكن وقفها بإرادة المريض وأنها لا تدخل في نطاق الشكوك الدينية التي ربما كانت عند الأشخاص الأسوياء توقع فى الحرمات .
الفكر الوسواسى والسلوك القهرى وجهان لعملة واحدة
الأفكار الوسواسية .. تسلطية .. عدوانية .. تشككية 00فهناك فرق بين الأشخاص التى تنتابهم شكوك مرضية وبين هؤلاء المرضى الذين يعانون من أفكار وسواسية قهرية ليست للإرادة الإنسانية وقفها عند حد من الحدود . وعلى رجال الدعوة بيان ذلك والقرآن الكريم يقول : " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا أثرا كما حملته على الذين من قبلنا " . فمسئولية هؤلاء المرضى غير ذات موضوع نظرا لحالتهم المرضية التى تعفيهم من المسئولية ويضيف الدكتور جمال ماضى أبو العزائم أن هناك علاقة قوية بين الاكتئاب والوسواس فقد ذادت هذه الحالات المصابة بالوسواس مع زيادة موجات الاكتئاب . لذا يجب على الطبيب النفسى أن يهتم بعلاج هذه الأمراض الوسواسية ويعطى الاهتمام لعلاج الأعراض الاكتئابية والعلاجات الكيميائية فى هذا المرض غيرت من توقعات الأطباء فكنا فى الماضى نجد من الصعوبة إيقاف هذه الأعراض أما الآن فمع العقاقير الجديدة والأدوية المستحدثة حول علاج الوسوسة القهرية هناك تحسن أكيد يأتى مع العلاج وعلى الطبيب أن يضع أمام المريض هذه الحقيقة ويطالبه بتوقع الشفاء التام إن شاء الله .
أفكار متسلطة
أما الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس أن الوسواس أفكار متسلطة يتكرر ورودها دائما ويظهر معها أو يصاحبها سلوك قهرى يستحوذ على المريض ويفرض نفسه عليه ولا يستطيع أن يقاومه على الرغم من أنه فكر غريب وسلوك غريب ويشعر الفرد بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه ويبدو أن الفكر الوسواس والسلوك القهرى المصاحب له يسيطر على شعور الفرد ويسكت صوت المنطق .. إذن الفكر الوسواسى والسلوك القهرى متلازمان كأنهما وجهان لعملة واحدة . |
الوسواس ينهك الفرد لأنه فكر غير طبيعى وسلوك شاذ يصاحبه قلق وخوف مرضى وشعور بالإجهاد والإنسان الذى يعانى من الوسواس والقهر يطلق عليه الشخصية الوسواسية القهرية وتتصف بالجمود والتزمت والتردد والتشكك والتقيق والحزلقة والتمركز حول الذات ويبدو أنه يتمسك بالنظافة والفضيلة والكمال وحب النظام ودقة المواعيد ويبدو أنه شخص فاضل ولكنه غير سعيد ومن أمثلة الشخصيات الوسواسية القهرية الموظف الروتينى الشكلى الذى يبالغ فى المراجعة والتدقيق وربة البيت التى تعمل ليل نهار فى نظافة المنزل والأطفال والملابس والأوانى ومن أخطر أسباب الإصابة بالوسواس القهرى الأمراض المعدية الخطيرة والحوادث والصراع بين الخير والشر داخل الإنسان والإحباط المستمر والخوف وعدم الثقة فى النفس والتنشئة الاجتماعية الخاطئة والشعور بالذنب وتأنيب الضمير وتقليد سلوك الآخرين المرضى بالوسواس .
علاقة قوية بين الاكتئاب والوسواس
ويضيف الدكتور حامد زهران أن الأفكار الوسواسية المتسلطة معظمها تشككية أو اتهامية أو عدوانية أو تفكير فى شئ معين كالحياة الزوجية أو الموت وأحيانا نجد أن الفكر المعاود أو الاجترارى كتكرار الأغانى والفكر الخرافى أو الأفكار السوداء التشاؤمية وتوقع الشر والأفكار التى تعبر عن الضمير الحى الزائد عن الطبيعى ولوم الذات وعدم التسامح والاستغراق فى أحلام اليقظة والقلق الشديد جدا إذا خرج الفرد عن الحدود والتحريمات التى فرضها على نفسه .
ونرى سلوك قهرى وطقوس حركية غريبة مثل المشى على الرصيف بشكل منتظم والنظافة المتكررة مثل غسيل الأيدى المتكرر فى اليوم الواحد والشك المتطرف فى الذات والآخرين خاصة الأزواج.وأحيانا يكون هذا السلوك موجه للمجتمع مثل مضايقة الناس فى الشوارع والحفلات والمناسبات .
أما عن التعرف على هؤلاء المرضى .. فيعتبر ذلك من السهولة حيث يلحظه الناس من تصرفاته الغريبة والشاذة . ويقول الدكتور حامد زهران أنه قد لا يكون الوسواس مرضا فى حد ذاته ولكنه عرض لمرض آخر مثل ذهان الهوس والاكتئاب لذا يجب أن يلجأ الإنسان للعلاج النفسى والاجتماعى إذا لاحظ بعض الأعراض الخفيفة السابقة .. وخاصة فى بداية ظهوره والتغلب على الأسباب السيئة المحيطة والمساعدة على حدوث التوافق النفسى والاجتماعى الذى يركز على إزالة الأسباب المرضية عند كل فرد على حدة .. واستخدام العلاج السلوكى بكثرة للتخلص من الأمراض . الاتهام بالجنون
أن الوسواس القهرى هو أحد الأمراض النفسية التى تنتشر فى كل المجتمعات تقريبا ومن بينها المجتمع المصرى .. وكانت الأبحاث القديمة تقدره بنسبة ضئيلة .. ولكن الأبحاث الوبائية الجديدة كشفت عن زيادة نسبته التى وصلت إلى 3 % من مجموع الناس .. ولكن كثير من المصابين بالوساوس يحاولون إخفائها والتقليل من شأنها خوفا من أن يتهموا بالجنون أو المرض النفسى الذى ما زال كثير من الناس يعتبرونه عيبا فى الإنسان مع أنه مرض مثل أى مرض فى الدنيا .. ويضيف الدكتور مختار عبد الوهاب أن الوسواس القهرى عبارة عن أعراض متكررة بنفس الطريقة والمريض يعلم ويدرى أنها خاطئة ويحاول مقاومتها ولكنها تفرض نفسها عليه فى النهاية وقد تصيب أى وظيفة نفسية فإذا أصابت مثلا التفكير وهو ما يسمى Ruminatiom أى الاجترار تشبها بعملية اجترار الطعام الذى تقوم به الحيوانات
المرض عبارة عن أعراض متكررة بنفس الطريقة
فنجد أن المريض يجتر أفكاره أى يجد نفسه يكفر فى فكرة معينة ويعلم أنها فكرة خاطئة فيحاول إبعاده عن مخه ويشعر بقلق وتوتر شديد يظل فى التصاعد حتى يضطر للتفكير فيها مرة أخرى وغالبا ما تكون أفكار فلسفية أو أفكار دينية متعلقة بالدين والخالق فقد يشعر المريض بأنه يلفظ بألفاظ خارجة أثناء الصلاة أو أنه يفكر فى موضوعات لها علاقة بالدين ويحاول السيطرة على أفكاره ولكنه يفشل وقد يصاب الإنسان بالوسوسة فى الحركة وهو ما يسمى Retinals أى الطقوس فيشعر الإنسان أن يديه ملوثتين ويحاول إبعاد هذه الفكرة فهو يعلم أن يديه نظيفتين ولكن تظل الفكرة ويظل يقاومها وتتصاعد حدة التوتر والقلق حتى يضطر أن يغسل يديه فيرتاح ويهدأ نفسيا . ثم تبدأ الفكرة مرة أخرى فى الإلحاح عليه ويبدأ فى مقاومتها فيزداد القلق النفسى والتوتر حتى يضطر إلى غسيل يديه مرة أخرى . أما إذا أصاب الوسواس المشاعر فإن المريض يشعر بالخوف الغير واقعى والغير مستند إلى الحقيقة فهو يخاف من أشياء كثيرة خوفا مما يتبعها من أحداث وأفكار فهو إذا شاهد سكينا مثلا فهو يخاف لأنه يشعر أنه قد يعتدى بها على الآخرين وخصوصا أولاده على سبيل المثال . أو يخاف من حيوانات معينة وقد يصل به الخوف مداه ويصاب بحالة من الهلع إذا هو شاهدها .. وفى كل الأحوال يعمل على أن يتجنبها فى طريقه ويبتعد عنها حتى لا يصادفها . والإنسان العادى قد يصاب ببعض الأعراض الوسواسية فمثلا كل من قد يفاجئ وهو يردد لحنا أو أغنية معينة تلح على تفكيره ويحاول إبعادها عن ذهنه وهذا لا يعتبر وسواسا . أما الوسواس فلابد له من الاستمرار مما يهدد الراحة النفسية للإنسان ويهدد قدرته فى التأقلم والعمل . والوسواس القهرى قد يؤدى إلى مشاكل اجتماعية كثيرة فقد يؤدى إلى فشل الحياة الزوجية ، فإذا كانت مثلا مصابة بالوسواس القهرى قد ترفض الاقتراب من زوجها أو إقامة علاقة معه خوفا من الدنس وعدم الطهارة .. كما أنها قد يكون لها طقوس خاصة بالمنزل تجعل زوجها يهرب من هذا العذاب فهناك سيدات تطلب من زوجها خلع الأحذية قبل دخول الشقة أو تمضى كل وقتها فى التنظيف والتطهير وغسيل الأشياء الغير قابلة للغسيل مثل قطع الموبيليا والأجهزة الكهربائية كالراديو والتليفزيون. والإنسان قد يفقد عمله إذا كان ضحية للوسواس فهو قد يظل فى الحمام عدة ساعات يمارس طقوسه ويتشكك فى نظافته مما يجعل انتظامه فى عمله مستحيلا والمحافظة على مواعيده صعبة فيفشل فى حياته العملية كذلك الطالب الذى لا يجد الوقت للمذاكرة فوقته موزع بين الحمام تشكك فى النظافة . والوساوس القهرية تزداد فى الشخصية الموسوسة أى الشخصية التى تحب النظافة والنظام الشديدين وتتميز بالدقة الشديدة فى كل شئ فهو يحب كل شئ فهو يحب كل شئ فى مكانه وهو إنسان
الفـرق بين الشك البنـاء والوسـواس
منطوى بطبعه يميل إلى الحزن صاحى الضمير ويحاسب على كل شئ ومتردد وغير قادر على اتخاذ القرارات لأنه يخاف من عواقب هذا القرار وهو لا يحتمل الخطأ . كما لوحظ أن مرض الوسواس القهرى يكثر بين الأسر الموجود بها مريض أما عن طريق الوراثة أو عن طريق التعلم والنقل عنه . كما أن الأم التى تبذل مجهودا كبيرا واهتماما فائقا بتعليم أطفالها التحكم فى التبول والتبرز وهم أطفال ينشأون معرضون أكثر للوساوس . يفرق الدكتور ممتاز عبد الوهاب بين الشك البناء أن يعيد الإنسان النظر فيما يفعله أو يعتقده محاولة منه للنقد الذاتى حتى يحقق أفضل نتيجة .. فلا مانع أن يراجع الإنسان عمله ليتأكد من أدائه حيث أنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ ، فالشك البناء هو الشك الذى يؤدى إلى التصحيح ويعتمد على الثقة بالنفس والوعى الكامل بالمسئولية والدراية بظروف العمل والحياة والمرونة والنضج العقلى ويؤدى إلى النجاح والإبداع . أما الوسوسة فهى عدم الثقة بالنفس والتردد وضيعة للوقت والجهد ومشاكل عديدة فى الحياة وفى العمل وغالبا ما تنتهى بالفشل إذا لم يتداركها الإنسان بالعلاج فهو معوق ومعطل للإنسان .. وعلينا أن نتعامل مع الشخص الموسوس على أنه مريض لابد من طمأنته وتشجيعه وزرع الثقة فى نفسه ويجب أن نقلل من إحساسه بالذنب لما يعتريه من أفكار ونشرح له أنها تحدث رغما عنه وان الله غفور رحيم ويعلم أنه مريض ولن يحاسب عليها . كما يجب أن نشجعه على مقاومة هذه الوساوس والتحكم فيها وأن يتعلم كيف يوجه عقله وتفكيره إلى أشياء أخرى . الطقوس القهرية
الوساوس هى أفكار تتردد بصفة مستمرة ولا يستطيع الإنسان أن يقاومها مهما بذل من جهد وإذا نجح فى مقاومتها يشعر بتوتر شديد ويتماثل معها الطقوس القهرية التى تكون حركات متلازمة لا يستطيع الإنسان أن يوقفها والنموذج للوساوس الإحساس بالنجاسة أو التفكير الخاطئ فى الذات الإلهية . وقد تظهر بعض الأفكار الوسواسية عند الإنسان الطبيعى ولا يكون لها أى مردود مرضى مثل انشغال الفكر فى فترة ما بفكرة ما .. وقد تكون هذه الفكرة تافهة ولا قيمة لها كما يحدث عندما يحس الإنسان بأن هناك أغنية تسيطر على ذهنه وتدفعه هذه السيطرة إلى أن يغنيها فإذا غناها وتكررت أصبح ذلك طقسا قهريا فى الإنسان الطبيعى .
قد يصاب الإنسان العادى بالأعراض الوسواسية .. ولكن ؟
ويضيف الدكتور عمر شاهين أن الوساوس ترغم الإنسان على سلوكيات بذاتها وقد تكون منافية لعادات المجتمع وتقاليده الأمر الذى يصبح فيه الشخص غريبا وشاذا وهناك ما نسميه بالمخاوف الوسواسية وهو نوع من أنواع الانفصال بالخوف يتصور فيه الإنسان أنه سيرتكب عملا يخشى من آثاره كأن تتصور الأم أنها ستذبح أبنها بالسكين وتخشى من السكين وهذه المخاوف تنضم إلى مجموعة عصاب الوسواس القهرى .. والمريض الوسواس غريب دائما على المجتمع الذى يعيش فيه ويعانى من الوسواس والقهر بطريقة تزعجه وتدفعه للبحث عن العلاج .. وقد يصل به الأمر للتخلص من حياته فى حالة عدم شفائه من المرض . ومن طبيعة مريض الوسواس أنه متردد ويفكر فى الشىء ونقيضه .. ولا يصل إلى قرار فإنه يشك فيه وكثيرا ما يسمون هذا العصاب بعصاب الشك . ويؤكد الدكتور عمر شاهين أن الإنسان يمكنه أن يكتشف أنه مصاب إذا ما انطبقت عليه الأعراض السابقة .. وعلى كل حال فإن الوسواس مرض يمكن شفاءه حيث أن الأدوية التى تستطيع شفاءه تماما أصبحت كثيرة وفى متناول الجميع .