البريد
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: البــحـــــــث العـلـمــــــي :: رســـــائـل ماجستــــير و دكتــوراه البحــــث العلمــــــي و بـحـوث جـامعيـة جـاهــزة :: الموسوعة العلمية الشاملة
صفحة 1 من اصل 1
البريد
البريد
البريد post (mail) لغةً : المرتّب والرسول، وأربعة فراسخ أو اثنا عشر ميلاً أو ما بين المنزلين.
يعد البريد إلى جانب الاتصالات السمعية والبصرية من أقدم وسائل الاتصال، وتبادل الأخبار والمعلومات المكتوبة. ولما كان البريد في القديم خاصاً بالملوك والحكام، فقد كان من الضروري وصول الأخبار من الأقاليم وإبلاغها الأوامر والتعليمات بسرعة، وتحتم أن يوجد لهذه الغاية ترتيب محدد، وأن يكون السعاة والرسل من ذوي الجلد والشجاعة والمعرفة. وكان هؤلاء يعتمدون في تنقلهم على الدواب، ويتخيرون جيادها، ويختارون لتوقفهم أماكن مأمونة تتوافر فيها متطلبات الراحة والزاد. وقد تحولت تلك الأماكن إلى محطات ونُزُل يرتادها عمال البريد والمسافرون، وصارت مكاتب البريد فيها تؤدي خدماتها للخاصة والعامة، ولم يعد البريد يقتصرعلى نقل الرسائل، بل تعداها إلى نقل الأموال والطرود والمستندات وغيرها، وأدى ذلك كله إلى توسع الخدمات البريدية، كما استلزم وجود مبان وتجهيزات خاصة لتسلم البريد وفرزه وحفظه وتوزيعه بحسب وجهته.
والبريد في المفهوم الحديث مؤسسة غالباً ما تكون تحت الإشراف الحكومي، وهي تضمن لأي شخص إرسال رسائل أو طرود إلى أي عنوان داخل بلده وخارجه بسرعة وضمان في مقابل أجر يحدد عادة على أساس الوزن ويؤديه المرسل سلفاً إما طوابع بريد [ر] وإما خاتم رسمي تمهر به الرسالة ويقوم مقام الطابع، ولا يتعين على المرسل إليه تسديد أي مبلغ عند التسلم.
وتستفيد أكثر الحكومات اليوم من منظومات البريد لديها لتأدية خدمات إضافية لا علاقة مباشرة لها بوظيفة البريد التقليدية فقد تكلفها القيام بخدمات مصرفية وتحويل الأموال، وخاصة في المناطق التي لا يمكن فتح مصرف حكومي أو تجاري أو فرع لهما فيها. وثمة حكومات كثيرة تستفيد من خدمات البريد في تسديد ما يتحقق عليها من تأمينات اجتماعية ورواتب وتعويضات على شكل حوالات مالية أو صكوكاً، وتجبي عن طريقها أنواعاً من الضرائب والعائدات كبيع السندات الحكومية والطوابع المالية والتذكارية وغيرها.
ينصب العمل الأساسي لمؤسسة البريد في تحويل المادة البريدية المفردة إلى مواد مجمعة يمكن نقلها وتوزيعها بوسائل النقل المحلية ثم فرزها في مرحلتها النهائية بأسرع وقت مع ضمان تسليمها إلى وجهتها المفردة في خاتمة المطاف.
يبدأ عمل مؤسسة البريد عادة بجمع البريد من صناديق البريد الموضوعة في خدمة الجمهور أو من مكاتب البريد، ويتوقف حجم مكاتب الفرز على حجم العمل ومتطلباته المحلية، وتنحصر مهمتها في فرز ملايين المواد وختمها وتسليمها إلى عنواناتها. وغالباً ما تجهز تلك المكاتب عدا الصغيرة منها بمكنات وتجهيزات مساعدة مؤتمتة، مثل مكنات إبطال الطوابع. ثم تقوم وسائل النقل بنقل المواد البريدية المجمعة وفق وجهاتها الرئيسية إلى مكاتب فرز وسيطة تتولى فرز تلك المواد إلى وجهتها الفرعية وتجميع البريد القادم من مصادر أخرى وفرزه بحسب وجهته. وفي المرحلة الثالثة يصل البريد إلى مكاتب الفرز النهائية التي تتولى إعداده للتسليم الفردي، «من البيت إلى البيت» مع وجود صناديق بريد في المكاتب المحلية أحياناً. وإن نقل البريد بين مكاتب الفرز لا يتم بالضرورة على وسائل نقل تملكها المؤسسة، بل يمكن أن تقوم بهذه الخدمة جهات أخرى تملك الوسائل اللازمة.
يعتمد البريد اعتماداً أساسياً على التوزع الجغرافي للسكان الذي يفرض على البريد خطوط سيره وتوزيعه.
البريد في التاريخ
عني الحكام منذ القديم عناية بمتابعة كل ما يحدث في أرجاء ممالكهم في الوقت المناسب. و كان الاعتماد على البريد كبيراً كما يذكر المؤرخون. وتعد مصر القديمة وبلاد الرافدين أول الممالك الكبيرة التي كان لديها منظومات بريدية (نحو الألف الثاني قبل الميلاد). ووضع حكامها تعليمات مفصلة تضمنت تنظيم خدمة البريد ومهمات سعاة البريد وأسماءهم ونوع الرسائل التي يحملونها والطرق التي يسلكونها. وتعد الصين في عهد أسرة «تشو» (1122-221ق.م) Chou أول من عرف نظام محطات البريد وتقسيمه إلى مراحل، وقد طور هذا النظام حتى بلغ أوجه في عصر الأباطرة المغول. وعرف الفرس الأخمينيون نظاماً مماثلاً وتابعهم فيه الساسانيون، وأسس داريوس الأول (521-486ق.م) من الساسانيين تنظيماً خاصاً لسعاة البريد عرف باسم «أنغَرية» angaria بمعنى «السخرة».
تبنى الرومان التنظيم البريدي في الحضارات السابقة لهم فوضعوا نظام «الطرق العامة» cursus publicusالذي وفر أفضل نظام بريدي متطور في العالم القديم، وأقاموا على الطرق العامة، التي أعدت أصلاً لتحرك قواتهم، محطات للبريد على مسافات مناسبة شملت أنحاء الإمبراطورية. وأدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى إهمال نظام «الطرق العامة» وخرابها وتخريب محطات البريد. ولم تتمكن أوربة من إعادة تنظيم البريد فيها على نحو مقبول إلا بعد ذلك بستة قرون.
البريد في عصور الخلافة العربية والإسلامية
عرفت البلاد العربية في الجاهلية نظام الأنغرية كما عرفت نظام «الطرق العامة» الروماني من مجاورتها الفرس والروم وتبعية بعضها لهم، ومع قيام الخلافة العربية الإسلامية صار للبريد شأن مهم يعتمد عليه الخلفاء والولاة في بلاد الإسلام كلها، وصارت دمشق المركز الرئيسي للبريد في أول الأمر ثم بغداد فالقاهرة.
وأول من وضع البريد في الإسلام معاوية بن أبي سفيان حين استقرت له الخلافة. فأمر بإقامة محطات عرفت باسم «السكة» فيها بغال و خيول مخصصة لهذه الغاية. و أحكم عبد الملك بن مروان (60-86هـ/685-705م) أمر البريد، وأدخل على نظامه تحسينات كثيرة. وقد ربطت بعض محطات البريد بدمشق مباشرة ورُبط بعضها بأمراء الولايات المهمة. وكانت محطات البريد تبعد الواحدة عن الأخرى أربعة فراسخ (اثنا عشر ميلاً). و كثيراً ما كان عمال الدولة يستخدمون خيل البريد للرحلات السريعة أيام الطوارئ أو لإرسال البعوث من العسكر على جناح السرعة. وقد تطلب الاهتمام بالبريد توفير أسباب الحصول على الزاد والعلف وعمارة الطرق وتعليم مسافاتها، وثمة نقوش معاصرة لعبد الملك بن مروان تشير إلى أوامره بوضع الأميال (علامات) على الطرق عند كل ميل. وكان للبريد شأن كبير في استقرار النظام الإداري الأموي ودعم سلطته حتى سقوط الدولة.
و لما استولى العباسيون على زمام الأمور أهمل شأن البريد إلى زمن المهدي حين أغزى ابنه هارون الرشيد بلاد الروم، فرتب بينه وبين معسكر ابنه بُرُداً تأتيه بأخباره، ولما عاد الرشيد من مهمته توقفت تلك البرد، وحين تولى الرشيد الخلافة ذكر ما كان من أبيه بشأن البريد فأمر بتنظيمه وقرره على نحو ما كان أيام بني أمية، وزاد خلفاؤه فيه حتى غدا أشبه بدائرة للاستخبارات والخدمات العاجلة، وأقيمت محطات البريد في كل أرجاء الخلافة. واستمر أمر البريد على هذا النحو إلى أن غلب بنو بويه على الخلافة فقطعوا البريد ليخفى على الخليفة ما يكون من أخبارهم، وتابعهم السلاجقة في هذا الأمر، فلم يكن بين ملوك الإسلام إلا الرسل على الدواب. وفي العهد الزنكي وضع للبريد نظام جديد يقوم على خدمته «النجابة» (البريدية) وخصصت لهم النجائب المنتخبة، ودام ذلك حتى نهاية الدولة الأيوبية وصعود دولة المماليك. وفي العهد الزنكي أيضاً كان ابتداء استخدام الطيور الهوادي (حمام الزاجل) في نقل البريد. وكان السلطان الملك العادل نور الدين بن زنكي أول من استخدمه من ملوك الإسلام في نقل الرسائل بانتظام ابتداء من سنة 565هـ. وأقام له مطارات وأبراج في المراكز الرئيسية للدولة، ورتب لها ديواناً، واستمرت العناية به في مصر والشام حتى أواسط العصر المملوكي. كذلك ظل نظام النجابة في بداية حكم المماليك على ما عهد في زمن الأيوبيين إلى أن تولى السلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري (625-676هـ)، فأعاد تنظيمه على نحو ما كان أيام الخلفاء، وصار للبريدي علامة يجعلها في عنقه يعرف بها فتسهل مهمته ويتسلم خيل البريد. ولم يزل البريد باقياً على ذلك في البلاد المصرية والشامية حتى غشي الشام تيمورلنك ودخل دمشق وخربها سنة 804هـ، ثم سرى ذلك الإهمال إلى مصر فذهبت معالم البريد منهما وعفت آثاره.
وفي العصر العثماني أعير البريد عناية فوضعت له قواعد خاصة واستخدم في نقله وتسييره عناصر من التتار المعروفين بشجاعتهم وأمانتهم فارتبط اسم البريد بهم. وقد اختص هؤلاء بنقل الرسائل الرسمية، ولكنهم كانوا ينقلون المراسلات والرزم الخاصة أيضا لقاء أجور يحصلونها من المرسل إليهم، وظل الحال على هذا النحو إلى أن صدر قانون الإصلاح البريدي العثماني عام 1839م الذي تبنى نظام البريد الغربي مع بعض التعديل.
البريد في العالم الغربي
بعد سقوط رومة أصبح التراسل بين أقطارها النائية نادراً، و لم تكن الأحوال السياسية فيها تساعد على بناء نظام بريدي مركزي، غير أن الحاجة إلى وجود اتصال شبه دائم بين الملوك والحكام الإقطاعيين والأمراء التابعين لهم، دفعت هؤلاء وبعض المؤسسات القوية الأخرى مثل الأخويات الدينية والجامعات و البلديات إلى توظيف جهاز خاص بها من المراسلين لنقل مراسلاتها.
وبعد أن اتسعت المدن وازدهرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر صار للمدن الكبيرة خدمات بريدية تعمل وفق أنظمة محلية تحدد حقوق العاملين فيها وواجباتهم والتعرفة التي يتقاضونها وأوقات السفر، وكان لسعاة كل مدينة لباسهم ومظهرهم الخاص وشارات مميزة يحملونها.
ومعنمو التجارة الدولية والمراسلات التجارية بين رجال الأعمال تطورت تلك الخدمات إلى نشوء شبكات متعددة للاتصالات البريدية بين جمعيات التجار في أوربة عامة وفي ألمانية خاصة، وهذا ما شجع بعض الشركات والمؤسسات الخاصة على تبني منظومات للمراسلة توفر لها اتصالاً مضموناً بالزبائن والعملاء، وكانت المؤسسات التجارية الإيطالية السباقة إلى إقامة بريد منتظم في تلك الحقبة، وخاصة بين المراكز التجارية في فلورنسة وجنوة وسيينة وبين ستة معارض (أسواق) سنوية كانت تقام في منطقة شمبانية في شمالي فرنسة ويرتادها التجار من أنحاء أوربة. كذلك يرجع الفضل للإيطاليين، وخاصة البنادقة، في تنظيم الاتصالات البريدية مع الدول الأخرى خارج أوربة، فكان لهم بريد منتظم مع اصطنبول ومع الصفويين ملوك فارس الذين منحوا سعاة البريد البنادقة حرية المرور في أراضيهم.
وفي القرن الخامس عشر ومع انتشار الطباعة أخذت الحكومات المحلية تؤمن بضرورة تنظيم الخدمات البريدية بإشرافها بعد أن ثبت لها ما تجنيه من فوائد وما تحققه من أرباح، فمنحت بعض المؤسسات المتخصصة بنقل الرسائل امتيازات لنقل البريد الرسمي مثل مؤسسة أسرة «ثورن وتاكسي» Taxis Thurn & الإيطالية التي حازت الشهرة حين تولت بدءًا من سنة 1512 م تنظيم شبكة مكثفة من طرق البريد تربط أطراف إمبراطورية آل هابسبورغ في غربي أوربة ووسطها. وقد تطورت هذه المنظومة وانتشرت فروعها في القرن السادس عشر حتى شملت كل أوربة، وظلت بقاياها تعمل في ألمانية حتى العام 1867م حين أممتها الحكومة البروسية. وكان شعار هذه المؤسسة البوق الملفوف الذي أصبح شعار أكثر خدمات البريد في العالم.
ومع ظهورالدول القومية في أوربة توجهت حكوماتها نحو إيجاد أنظمة بريد وطنية فعالة بإشرافها، فأحدثت في فرنسة سنة 1477 خدمة البريد الملكية، ولم تكن تلك الخدمة معنية بمراسلات عامة الناس، إلا أن الأمن الذي توافر على الطرق الرئيسية بوجودها شجع على ازدياد نشاط المراسلين غير الرسميين، وأدركت فرنسة ميزات هذا النشاط، فأسبغت عليه الصفة الشرعية منذ مطلع القرن السادس عشر، إلا أن خدمات البريد العامة لم تأخذ مكانتها الفعلية فيها إلا في العام 1627 عندما حددت التعرفة المالية لهذه الخدمات ووضعت لها جداول زمنية وأسست مكاتب للبريد في المدن الكبيرة.
وفي إنكلترة أحدث هنري الثامن سنة 1516 منصب «رئيس البُرُد» Master of the Posts للإشراف على خدمات البريد المنتظمة على كل الطرق الخارجة من لندن. وفي عام 1635 صدر أمر ملكي بمنح ترخيص بإحداث خدمة بريد عامة منفصلة إلى أحد تجار لندن.
البريد الجوي
كان استخدام الطيران في نقل البريد من أهم التطورات التي طرأت على عمليات البريد، وقد جرت قبل الحرب العالمية الأولى تجارب مبدئية لهذه الغاية منها خدمة البريد بين مدينتي هندون و وندسور في بريطانية سنة 1911 بمناسبة تتويج الملك جورج الخامس، وكذلك بين باريس وبوردو سنة 1913.ولكن اقتضى الأمر التريث حتى سنة 1919 للبدء في أول خدمة بريدية دولية بين لندن وباريس ما لبثت أن اتسعت لتشمل دولاً أوربية أخرى. إلا أن الواقع التقني لقدرات الطيران أخر افتتاح خطوط جوية منتظمة للبريد الدولي، حتى العام 1924. وفي العام 1926 افتتح خط للبريد الجوي بين مصر وكراتشي ورُبط بلندن سنة 1929، ثم مدد إلى سنغافورة عام 1933 وإلى أسترالية عام 1934. وفي العام 1939 افتتح خط نظامي للبريد الجوي عبر الأطلسي. واتخذت خطوة مهمة في أواخر العشرينات من القرن العشرين حين تبنى عدد من الدول الأوربية البريد الجوي الداخلي من دون رسوم إضافية، وعم ذلك حتى شمل بقية القارات، ولكن ارتفاع أجور البريد الجوي دولياً واعتمادها على المسافات المقطوعة قلل من فرص تعميمها على المستوى الدولي خارج أوربة. ومنذ العام 1946 صار للبريد الجوي شبكة تربط أوربة وأمريكة بكل أجزاء العالم، وما تزال هناك مناطق من العالم تفتقر نسبياً إلى الخدمات البريدية الجوية.
وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين ونتيجة لتطور شبكات الحواسيب ووسائل الاتصال الإلكترونية شاع نوع جديد من التراسل البريدي عن طريق التلكس والفاكسيميل [ر.البرق] والبريد الإلكتروني ُE.mail [ر.الإنترنت] .
نظام البريد الدولي
يعد البريد الدولي وسيلة أساسية في الاتصالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الأمم وهو مثال نموذجي للتنظيم والثقة المتبادلة في المستوى العالمي، إذ تعتمد إدارات البريد في كل دولة على الإدارات الأخرى لتضمن وصول بريدها إلى العنوان المطلوب. ولقد ساعد الاتحاد البريدي العالمي الذي تأسس عام 1875 في تحسين التعاون الدولي في هذا الميدان وألزم إدارات البريد العضو فيه تطبيق القواعد التي يقررها. ويمكن الاطلاع على القواعد الأساسية للبريد الدولي كما وردت في اتفاقية البريد العالمي [ر. الاتحاد البريدي العالمي] مع التعديلات القليلة التي أجريت عليها في اتفاقية برن. والمبدأ الأول والأساسي في هذه الاتفاقية هو أن جميع الدول الأعضاء تؤلف وحدة بريدية إقليمية لتبادل المراسلات، ومن هذا المبدأ يتفرع مبدأ حرية المرور: إذ يضمن كل بلد عضو حرمة مرور البريد في أراضيه وتسييره بأسرع وسيلة نقل يستخدمها في نقل بريده. ومن المبادئ المهمة الأخرى أن الدول لا تتقاسم أجرة المواد البريدية، ومنذ العام 1875 تحتفظ كل دولة بما تجنيه من عائدات البريد الدولي. ومع أن دول العبور تتقاضى تعويضا عن خدمات العبور في أراضيها فإن الدولة التي يوزع فيها البريد لا تتقاضى عنه شيئا. وقد تم تبني هذا المبدأ للتخفيف من تعقيدات المحاسبة الدولية. ومسوغ ذلك أن الرسالة المرسلة تستدعي الإجابة عنها. وقد وجدت بعض الدول النامية أنها تتحمل عبئا كبيرا بتطبيق هذا المبدأ بسبب عدم التوازن بين البريد القادم والبريد الصادر، ولتحقيق العدالة أقر مؤتمر طوكيو عام 1969 دفع تعويض في مثل هذه الحالات. ولتسهيل المراسلات البريدية الدولية أقرت الاتفاقية تثبيت تعرفة معيارية دولية للبريد مع هامش ضئيل ضمن حدود معينة للوزن والحجم وشروط النقل وغيرها. أما الخلافات التي قد تنشأ بين إدارات البريد ، وأكثرها يتعلق بالمسؤولية عن فقد المواد البريدية المسجلة أو المضمونة، فتخضع للتحكيم. كذلك هناك اتفاقات اختيارية ثنائية أو جماعية حول خدمات دولية إضافية كالطرود البريدية والدفع عند التسليم وغيرها.
منظومات البريد العربية
كانت خدمات البريد في أكثر البلاد العربية حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تخضع لسلطة الدولة العثمانية ونظم بريدها، ومقسمة إلى ولايات ومتصرفيات وإيالات بحسب مساحاتها وعدد سكانها، وأقيمت في كل منها مكاتب وشعب بريدية لتَسَلُّم البريد وفرزه ونقله وتوزيعه بموجب اللائحة التنظيمية للبريد التي صدرت عام 1839م، وقد سمحت الإدارة العثمانية إضافة إلى ذلك منذ عام 1853 بافتتاح مكاتب بريدية لبعض الدول الأوربية (فرنسة وبريطانية والنمسة واليونان وإيطالية وروسية) في عدد من الموانئ العربية المهمة وكانت هذه المكاتب تتولى شؤون البريد المودع لديها بوسائلها الخاصة وعلى مسؤوليتها، وتسدد أجورها بطوابع تصدر عن المكتب المعني أو بطوابع الدولة العائد إليها. وقد ظل بعض هذه المكاتب يعمل إلى ما بعد العام 1914.
وبعد انتهاء الحرب وانسحاب العثمانيين خضع أكثر البلاد العربية للهيمنة الغربية، وفرضت عليها الحماية أو الانتداب أو الاستعمار المباشر، فكانت سورية ولبنان من حصة فرنسة، وكذلك مراكش (المغرب) والجزائر وتونس وبعض المناطق الأخرى من المغرب العربي، وقد طبقت الإدارة الفرنسية على هذه البلاد أنظمتها البريدية والبرقية. أما بقية البلدان العربية فخضعت جميعها، باستثناء ليبية والصومال، للإدارة البريطانية التي فرضت أنظمتها البريدية والبرقية على تلك البلاد.
و ظلت جميع الخدمات البريدية في البلاد العربية وإداراتها تعمل تحت الإشراف المباشر لمديرين أجانب فرنسيين أو بريطانيين (هنود أحيانا) يعاونهم في تسيير الأعمال عدد من الموظفين العرب من أهل البلاد. وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وجلاء الجيوش المحتلة عن أكثر البلاد العربية أعيد النظر في قوانين البريد ونظمه الإدارية والمالية في كل قطر من الأقطار العربية، واتفقت هذه الأقطار على إقامة الاتحاد البريدي العربي [ر].
البريد السريع DHL و UPS
أحد الخدمات البريدية السريعة والمضمونة من المنزل إلى المنزل، ظهر حديثاً في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969، وجاء اسم الشركة اختصاراً للأحرف الأولى من أسماء مؤسسيها الأمريكيين وهم Adrian Dalsey و Larry Hillblom و Robert Lynn. وبدأت خدمات هذا البريد السريع بين سان فرنسيسكو وهونولولو. ثم انتشرت إلى مناطق أوسع من العالم حتى وصلت إلى مناطق الشرق الأقصى وأسترالية عام 1972، وتوسعت على وجه الخصوص في أوربة. وفي عام 1976 دخلت خدمات البريد السريع الشرق الأوسط، وأمريكة اللاتينية ثم إلى إفريقية عام 1978.
كذلك كانت شركة البريد السريع DHL أول من أوصل خدمات البريد الجوي السريع إلى دول شرقي أوربة عام 1983 وافتتحت لها مكاتب للخدمة البريدية السريعة في أكثر من مطار. ووصلت خدماتها عام 1986 إلى الصين. وفي عام 1988 تأسست شبكة بريدية للشحن البحري، امتد نشاطها إلى دول شمالي أوربة عام 1992. وفي عام 1993 قررت الشركة تخصيص مبلغ 1.25 مليار دولار موزعة على مكاتبها في أنحاء العالم من أجل تطوير نظام الخدمة والأتمتة والاتصالات واستخدام تقانات المعلومات. وصار لها مكاتب توزيع إقليمية في مناطق مختلفة من العالم. ولها موقع على شبكة الإنترنت.
وثمة نوع آخر من الخدمات البريدية هي "خدمة الطرود المتحدة" ((UPS United Parcel Service وقد بدأت هذه الخدمة منذ أكثر من تسعين عاماً، وتحولت من خدمة توصيل طرود إقليمية إلى شركة عالمية. وتوزع الطرود والمستندات في وقت محدد عبر الولايات المتحدة وأكثر من 200 بلد ومقاطعة، ويتعامل معها ما لا يقل عن مليوني شخص.
الاتحاد البريدي العالمي ـ الاتحاد البريدي العربي ـ البريد (طوابع ـ) ـ البرق.
ـ الاتحاد البريدي العربي، وثائق ومنشورات، الأمانة العامة القاهرة( 1966 و1980).
ـ الاتحاد البريدي العالمي، وثائق ومنشورات المكتب الدولي (برن 1956 و1970).
ـ المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي: تاريخ، وثائق، دراسات (برن 1997.(
البريد post (mail) لغةً : المرتّب والرسول، وأربعة فراسخ أو اثنا عشر ميلاً أو ما بين المنزلين.
يعد البريد إلى جانب الاتصالات السمعية والبصرية من أقدم وسائل الاتصال، وتبادل الأخبار والمعلومات المكتوبة. ولما كان البريد في القديم خاصاً بالملوك والحكام، فقد كان من الضروري وصول الأخبار من الأقاليم وإبلاغها الأوامر والتعليمات بسرعة، وتحتم أن يوجد لهذه الغاية ترتيب محدد، وأن يكون السعاة والرسل من ذوي الجلد والشجاعة والمعرفة. وكان هؤلاء يعتمدون في تنقلهم على الدواب، ويتخيرون جيادها، ويختارون لتوقفهم أماكن مأمونة تتوافر فيها متطلبات الراحة والزاد. وقد تحولت تلك الأماكن إلى محطات ونُزُل يرتادها عمال البريد والمسافرون، وصارت مكاتب البريد فيها تؤدي خدماتها للخاصة والعامة، ولم يعد البريد يقتصرعلى نقل الرسائل، بل تعداها إلى نقل الأموال والطرود والمستندات وغيرها، وأدى ذلك كله إلى توسع الخدمات البريدية، كما استلزم وجود مبان وتجهيزات خاصة لتسلم البريد وفرزه وحفظه وتوزيعه بحسب وجهته.
والبريد في المفهوم الحديث مؤسسة غالباً ما تكون تحت الإشراف الحكومي، وهي تضمن لأي شخص إرسال رسائل أو طرود إلى أي عنوان داخل بلده وخارجه بسرعة وضمان في مقابل أجر يحدد عادة على أساس الوزن ويؤديه المرسل سلفاً إما طوابع بريد [ر] وإما خاتم رسمي تمهر به الرسالة ويقوم مقام الطابع، ولا يتعين على المرسل إليه تسديد أي مبلغ عند التسلم.
وتستفيد أكثر الحكومات اليوم من منظومات البريد لديها لتأدية خدمات إضافية لا علاقة مباشرة لها بوظيفة البريد التقليدية فقد تكلفها القيام بخدمات مصرفية وتحويل الأموال، وخاصة في المناطق التي لا يمكن فتح مصرف حكومي أو تجاري أو فرع لهما فيها. وثمة حكومات كثيرة تستفيد من خدمات البريد في تسديد ما يتحقق عليها من تأمينات اجتماعية ورواتب وتعويضات على شكل حوالات مالية أو صكوكاً، وتجبي عن طريقها أنواعاً من الضرائب والعائدات كبيع السندات الحكومية والطوابع المالية والتذكارية وغيرها.
ينصب العمل الأساسي لمؤسسة البريد في تحويل المادة البريدية المفردة إلى مواد مجمعة يمكن نقلها وتوزيعها بوسائل النقل المحلية ثم فرزها في مرحلتها النهائية بأسرع وقت مع ضمان تسليمها إلى وجهتها المفردة في خاتمة المطاف.
يبدأ عمل مؤسسة البريد عادة بجمع البريد من صناديق البريد الموضوعة في خدمة الجمهور أو من مكاتب البريد، ويتوقف حجم مكاتب الفرز على حجم العمل ومتطلباته المحلية، وتنحصر مهمتها في فرز ملايين المواد وختمها وتسليمها إلى عنواناتها. وغالباً ما تجهز تلك المكاتب عدا الصغيرة منها بمكنات وتجهيزات مساعدة مؤتمتة، مثل مكنات إبطال الطوابع. ثم تقوم وسائل النقل بنقل المواد البريدية المجمعة وفق وجهاتها الرئيسية إلى مكاتب فرز وسيطة تتولى فرز تلك المواد إلى وجهتها الفرعية وتجميع البريد القادم من مصادر أخرى وفرزه بحسب وجهته. وفي المرحلة الثالثة يصل البريد إلى مكاتب الفرز النهائية التي تتولى إعداده للتسليم الفردي، «من البيت إلى البيت» مع وجود صناديق بريد في المكاتب المحلية أحياناً. وإن نقل البريد بين مكاتب الفرز لا يتم بالضرورة على وسائل نقل تملكها المؤسسة، بل يمكن أن تقوم بهذه الخدمة جهات أخرى تملك الوسائل اللازمة.
يعتمد البريد اعتماداً أساسياً على التوزع الجغرافي للسكان الذي يفرض على البريد خطوط سيره وتوزيعه.
البريد في التاريخ
عني الحكام منذ القديم عناية بمتابعة كل ما يحدث في أرجاء ممالكهم في الوقت المناسب. و كان الاعتماد على البريد كبيراً كما يذكر المؤرخون. وتعد مصر القديمة وبلاد الرافدين أول الممالك الكبيرة التي كان لديها منظومات بريدية (نحو الألف الثاني قبل الميلاد). ووضع حكامها تعليمات مفصلة تضمنت تنظيم خدمة البريد ومهمات سعاة البريد وأسماءهم ونوع الرسائل التي يحملونها والطرق التي يسلكونها. وتعد الصين في عهد أسرة «تشو» (1122-221ق.م) Chou أول من عرف نظام محطات البريد وتقسيمه إلى مراحل، وقد طور هذا النظام حتى بلغ أوجه في عصر الأباطرة المغول. وعرف الفرس الأخمينيون نظاماً مماثلاً وتابعهم فيه الساسانيون، وأسس داريوس الأول (521-486ق.م) من الساسانيين تنظيماً خاصاً لسعاة البريد عرف باسم «أنغَرية» angaria بمعنى «السخرة».
تبنى الرومان التنظيم البريدي في الحضارات السابقة لهم فوضعوا نظام «الطرق العامة» cursus publicusالذي وفر أفضل نظام بريدي متطور في العالم القديم، وأقاموا على الطرق العامة، التي أعدت أصلاً لتحرك قواتهم، محطات للبريد على مسافات مناسبة شملت أنحاء الإمبراطورية. وأدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى إهمال نظام «الطرق العامة» وخرابها وتخريب محطات البريد. ولم تتمكن أوربة من إعادة تنظيم البريد فيها على نحو مقبول إلا بعد ذلك بستة قرون.
البريد في عصور الخلافة العربية والإسلامية
عرفت البلاد العربية في الجاهلية نظام الأنغرية كما عرفت نظام «الطرق العامة» الروماني من مجاورتها الفرس والروم وتبعية بعضها لهم، ومع قيام الخلافة العربية الإسلامية صار للبريد شأن مهم يعتمد عليه الخلفاء والولاة في بلاد الإسلام كلها، وصارت دمشق المركز الرئيسي للبريد في أول الأمر ثم بغداد فالقاهرة.
وأول من وضع البريد في الإسلام معاوية بن أبي سفيان حين استقرت له الخلافة. فأمر بإقامة محطات عرفت باسم «السكة» فيها بغال و خيول مخصصة لهذه الغاية. و أحكم عبد الملك بن مروان (60-86هـ/685-705م) أمر البريد، وأدخل على نظامه تحسينات كثيرة. وقد ربطت بعض محطات البريد بدمشق مباشرة ورُبط بعضها بأمراء الولايات المهمة. وكانت محطات البريد تبعد الواحدة عن الأخرى أربعة فراسخ (اثنا عشر ميلاً). و كثيراً ما كان عمال الدولة يستخدمون خيل البريد للرحلات السريعة أيام الطوارئ أو لإرسال البعوث من العسكر على جناح السرعة. وقد تطلب الاهتمام بالبريد توفير أسباب الحصول على الزاد والعلف وعمارة الطرق وتعليم مسافاتها، وثمة نقوش معاصرة لعبد الملك بن مروان تشير إلى أوامره بوضع الأميال (علامات) على الطرق عند كل ميل. وكان للبريد شأن كبير في استقرار النظام الإداري الأموي ودعم سلطته حتى سقوط الدولة.
و لما استولى العباسيون على زمام الأمور أهمل شأن البريد إلى زمن المهدي حين أغزى ابنه هارون الرشيد بلاد الروم، فرتب بينه وبين معسكر ابنه بُرُداً تأتيه بأخباره، ولما عاد الرشيد من مهمته توقفت تلك البرد، وحين تولى الرشيد الخلافة ذكر ما كان من أبيه بشأن البريد فأمر بتنظيمه وقرره على نحو ما كان أيام بني أمية، وزاد خلفاؤه فيه حتى غدا أشبه بدائرة للاستخبارات والخدمات العاجلة، وأقيمت محطات البريد في كل أرجاء الخلافة. واستمر أمر البريد على هذا النحو إلى أن غلب بنو بويه على الخلافة فقطعوا البريد ليخفى على الخليفة ما يكون من أخبارهم، وتابعهم السلاجقة في هذا الأمر، فلم يكن بين ملوك الإسلام إلا الرسل على الدواب. وفي العهد الزنكي وضع للبريد نظام جديد يقوم على خدمته «النجابة» (البريدية) وخصصت لهم النجائب المنتخبة، ودام ذلك حتى نهاية الدولة الأيوبية وصعود دولة المماليك. وفي العهد الزنكي أيضاً كان ابتداء استخدام الطيور الهوادي (حمام الزاجل) في نقل البريد. وكان السلطان الملك العادل نور الدين بن زنكي أول من استخدمه من ملوك الإسلام في نقل الرسائل بانتظام ابتداء من سنة 565هـ. وأقام له مطارات وأبراج في المراكز الرئيسية للدولة، ورتب لها ديواناً، واستمرت العناية به في مصر والشام حتى أواسط العصر المملوكي. كذلك ظل نظام النجابة في بداية حكم المماليك على ما عهد في زمن الأيوبيين إلى أن تولى السلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداري (625-676هـ)، فأعاد تنظيمه على نحو ما كان أيام الخلفاء، وصار للبريدي علامة يجعلها في عنقه يعرف بها فتسهل مهمته ويتسلم خيل البريد. ولم يزل البريد باقياً على ذلك في البلاد المصرية والشامية حتى غشي الشام تيمورلنك ودخل دمشق وخربها سنة 804هـ، ثم سرى ذلك الإهمال إلى مصر فذهبت معالم البريد منهما وعفت آثاره.
وفي العصر العثماني أعير البريد عناية فوضعت له قواعد خاصة واستخدم في نقله وتسييره عناصر من التتار المعروفين بشجاعتهم وأمانتهم فارتبط اسم البريد بهم. وقد اختص هؤلاء بنقل الرسائل الرسمية، ولكنهم كانوا ينقلون المراسلات والرزم الخاصة أيضا لقاء أجور يحصلونها من المرسل إليهم، وظل الحال على هذا النحو إلى أن صدر قانون الإصلاح البريدي العثماني عام 1839م الذي تبنى نظام البريد الغربي مع بعض التعديل.
البريد في العالم الغربي
بعد سقوط رومة أصبح التراسل بين أقطارها النائية نادراً، و لم تكن الأحوال السياسية فيها تساعد على بناء نظام بريدي مركزي، غير أن الحاجة إلى وجود اتصال شبه دائم بين الملوك والحكام الإقطاعيين والأمراء التابعين لهم، دفعت هؤلاء وبعض المؤسسات القوية الأخرى مثل الأخويات الدينية والجامعات و البلديات إلى توظيف جهاز خاص بها من المراسلين لنقل مراسلاتها.
وبعد أن اتسعت المدن وازدهرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر صار للمدن الكبيرة خدمات بريدية تعمل وفق أنظمة محلية تحدد حقوق العاملين فيها وواجباتهم والتعرفة التي يتقاضونها وأوقات السفر، وكان لسعاة كل مدينة لباسهم ومظهرهم الخاص وشارات مميزة يحملونها.
ومعنمو التجارة الدولية والمراسلات التجارية بين رجال الأعمال تطورت تلك الخدمات إلى نشوء شبكات متعددة للاتصالات البريدية بين جمعيات التجار في أوربة عامة وفي ألمانية خاصة، وهذا ما شجع بعض الشركات والمؤسسات الخاصة على تبني منظومات للمراسلة توفر لها اتصالاً مضموناً بالزبائن والعملاء، وكانت المؤسسات التجارية الإيطالية السباقة إلى إقامة بريد منتظم في تلك الحقبة، وخاصة بين المراكز التجارية في فلورنسة وجنوة وسيينة وبين ستة معارض (أسواق) سنوية كانت تقام في منطقة شمبانية في شمالي فرنسة ويرتادها التجار من أنحاء أوربة. كذلك يرجع الفضل للإيطاليين، وخاصة البنادقة، في تنظيم الاتصالات البريدية مع الدول الأخرى خارج أوربة، فكان لهم بريد منتظم مع اصطنبول ومع الصفويين ملوك فارس الذين منحوا سعاة البريد البنادقة حرية المرور في أراضيهم.
وفي القرن الخامس عشر ومع انتشار الطباعة أخذت الحكومات المحلية تؤمن بضرورة تنظيم الخدمات البريدية بإشرافها بعد أن ثبت لها ما تجنيه من فوائد وما تحققه من أرباح، فمنحت بعض المؤسسات المتخصصة بنقل الرسائل امتيازات لنقل البريد الرسمي مثل مؤسسة أسرة «ثورن وتاكسي» Taxis Thurn & الإيطالية التي حازت الشهرة حين تولت بدءًا من سنة 1512 م تنظيم شبكة مكثفة من طرق البريد تربط أطراف إمبراطورية آل هابسبورغ في غربي أوربة ووسطها. وقد تطورت هذه المنظومة وانتشرت فروعها في القرن السادس عشر حتى شملت كل أوربة، وظلت بقاياها تعمل في ألمانية حتى العام 1867م حين أممتها الحكومة البروسية. وكان شعار هذه المؤسسة البوق الملفوف الذي أصبح شعار أكثر خدمات البريد في العالم.
ومع ظهورالدول القومية في أوربة توجهت حكوماتها نحو إيجاد أنظمة بريد وطنية فعالة بإشرافها، فأحدثت في فرنسة سنة 1477 خدمة البريد الملكية، ولم تكن تلك الخدمة معنية بمراسلات عامة الناس، إلا أن الأمن الذي توافر على الطرق الرئيسية بوجودها شجع على ازدياد نشاط المراسلين غير الرسميين، وأدركت فرنسة ميزات هذا النشاط، فأسبغت عليه الصفة الشرعية منذ مطلع القرن السادس عشر، إلا أن خدمات البريد العامة لم تأخذ مكانتها الفعلية فيها إلا في العام 1627 عندما حددت التعرفة المالية لهذه الخدمات ووضعت لها جداول زمنية وأسست مكاتب للبريد في المدن الكبيرة.
وفي إنكلترة أحدث هنري الثامن سنة 1516 منصب «رئيس البُرُد» Master of the Posts للإشراف على خدمات البريد المنتظمة على كل الطرق الخارجة من لندن. وفي عام 1635 صدر أمر ملكي بمنح ترخيص بإحداث خدمة بريد عامة منفصلة إلى أحد تجار لندن.
البريد الجوي
كان استخدام الطيران في نقل البريد من أهم التطورات التي طرأت على عمليات البريد، وقد جرت قبل الحرب العالمية الأولى تجارب مبدئية لهذه الغاية منها خدمة البريد بين مدينتي هندون و وندسور في بريطانية سنة 1911 بمناسبة تتويج الملك جورج الخامس، وكذلك بين باريس وبوردو سنة 1913.ولكن اقتضى الأمر التريث حتى سنة 1919 للبدء في أول خدمة بريدية دولية بين لندن وباريس ما لبثت أن اتسعت لتشمل دولاً أوربية أخرى. إلا أن الواقع التقني لقدرات الطيران أخر افتتاح خطوط جوية منتظمة للبريد الدولي، حتى العام 1924. وفي العام 1926 افتتح خط للبريد الجوي بين مصر وكراتشي ورُبط بلندن سنة 1929، ثم مدد إلى سنغافورة عام 1933 وإلى أسترالية عام 1934. وفي العام 1939 افتتح خط نظامي للبريد الجوي عبر الأطلسي. واتخذت خطوة مهمة في أواخر العشرينات من القرن العشرين حين تبنى عدد من الدول الأوربية البريد الجوي الداخلي من دون رسوم إضافية، وعم ذلك حتى شمل بقية القارات، ولكن ارتفاع أجور البريد الجوي دولياً واعتمادها على المسافات المقطوعة قلل من فرص تعميمها على المستوى الدولي خارج أوربة. ومنذ العام 1946 صار للبريد الجوي شبكة تربط أوربة وأمريكة بكل أجزاء العالم، وما تزال هناك مناطق من العالم تفتقر نسبياً إلى الخدمات البريدية الجوية.
وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين ونتيجة لتطور شبكات الحواسيب ووسائل الاتصال الإلكترونية شاع نوع جديد من التراسل البريدي عن طريق التلكس والفاكسيميل [ر.البرق] والبريد الإلكتروني ُE.mail [ر.الإنترنت] .
نظام البريد الدولي
يعد البريد الدولي وسيلة أساسية في الاتصالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الأمم وهو مثال نموذجي للتنظيم والثقة المتبادلة في المستوى العالمي، إذ تعتمد إدارات البريد في كل دولة على الإدارات الأخرى لتضمن وصول بريدها إلى العنوان المطلوب. ولقد ساعد الاتحاد البريدي العالمي الذي تأسس عام 1875 في تحسين التعاون الدولي في هذا الميدان وألزم إدارات البريد العضو فيه تطبيق القواعد التي يقررها. ويمكن الاطلاع على القواعد الأساسية للبريد الدولي كما وردت في اتفاقية البريد العالمي [ر. الاتحاد البريدي العالمي] مع التعديلات القليلة التي أجريت عليها في اتفاقية برن. والمبدأ الأول والأساسي في هذه الاتفاقية هو أن جميع الدول الأعضاء تؤلف وحدة بريدية إقليمية لتبادل المراسلات، ومن هذا المبدأ يتفرع مبدأ حرية المرور: إذ يضمن كل بلد عضو حرمة مرور البريد في أراضيه وتسييره بأسرع وسيلة نقل يستخدمها في نقل بريده. ومن المبادئ المهمة الأخرى أن الدول لا تتقاسم أجرة المواد البريدية، ومنذ العام 1875 تحتفظ كل دولة بما تجنيه من عائدات البريد الدولي. ومع أن دول العبور تتقاضى تعويضا عن خدمات العبور في أراضيها فإن الدولة التي يوزع فيها البريد لا تتقاضى عنه شيئا. وقد تم تبني هذا المبدأ للتخفيف من تعقيدات المحاسبة الدولية. ومسوغ ذلك أن الرسالة المرسلة تستدعي الإجابة عنها. وقد وجدت بعض الدول النامية أنها تتحمل عبئا كبيرا بتطبيق هذا المبدأ بسبب عدم التوازن بين البريد القادم والبريد الصادر، ولتحقيق العدالة أقر مؤتمر طوكيو عام 1969 دفع تعويض في مثل هذه الحالات. ولتسهيل المراسلات البريدية الدولية أقرت الاتفاقية تثبيت تعرفة معيارية دولية للبريد مع هامش ضئيل ضمن حدود معينة للوزن والحجم وشروط النقل وغيرها. أما الخلافات التي قد تنشأ بين إدارات البريد ، وأكثرها يتعلق بالمسؤولية عن فقد المواد البريدية المسجلة أو المضمونة، فتخضع للتحكيم. كذلك هناك اتفاقات اختيارية ثنائية أو جماعية حول خدمات دولية إضافية كالطرود البريدية والدفع عند التسليم وغيرها.
منظومات البريد العربية
كانت خدمات البريد في أكثر البلاد العربية حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تخضع لسلطة الدولة العثمانية ونظم بريدها، ومقسمة إلى ولايات ومتصرفيات وإيالات بحسب مساحاتها وعدد سكانها، وأقيمت في كل منها مكاتب وشعب بريدية لتَسَلُّم البريد وفرزه ونقله وتوزيعه بموجب اللائحة التنظيمية للبريد التي صدرت عام 1839م، وقد سمحت الإدارة العثمانية إضافة إلى ذلك منذ عام 1853 بافتتاح مكاتب بريدية لبعض الدول الأوربية (فرنسة وبريطانية والنمسة واليونان وإيطالية وروسية) في عدد من الموانئ العربية المهمة وكانت هذه المكاتب تتولى شؤون البريد المودع لديها بوسائلها الخاصة وعلى مسؤوليتها، وتسدد أجورها بطوابع تصدر عن المكتب المعني أو بطوابع الدولة العائد إليها. وقد ظل بعض هذه المكاتب يعمل إلى ما بعد العام 1914.
وبعد انتهاء الحرب وانسحاب العثمانيين خضع أكثر البلاد العربية للهيمنة الغربية، وفرضت عليها الحماية أو الانتداب أو الاستعمار المباشر، فكانت سورية ولبنان من حصة فرنسة، وكذلك مراكش (المغرب) والجزائر وتونس وبعض المناطق الأخرى من المغرب العربي، وقد طبقت الإدارة الفرنسية على هذه البلاد أنظمتها البريدية والبرقية. أما بقية البلدان العربية فخضعت جميعها، باستثناء ليبية والصومال، للإدارة البريطانية التي فرضت أنظمتها البريدية والبرقية على تلك البلاد.
و ظلت جميع الخدمات البريدية في البلاد العربية وإداراتها تعمل تحت الإشراف المباشر لمديرين أجانب فرنسيين أو بريطانيين (هنود أحيانا) يعاونهم في تسيير الأعمال عدد من الموظفين العرب من أهل البلاد. وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وجلاء الجيوش المحتلة عن أكثر البلاد العربية أعيد النظر في قوانين البريد ونظمه الإدارية والمالية في كل قطر من الأقطار العربية، واتفقت هذه الأقطار على إقامة الاتحاد البريدي العربي [ر].
البريد السريع DHL و UPS
أحد الخدمات البريدية السريعة والمضمونة من المنزل إلى المنزل، ظهر حديثاً في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969، وجاء اسم الشركة اختصاراً للأحرف الأولى من أسماء مؤسسيها الأمريكيين وهم Adrian Dalsey و Larry Hillblom و Robert Lynn. وبدأت خدمات هذا البريد السريع بين سان فرنسيسكو وهونولولو. ثم انتشرت إلى مناطق أوسع من العالم حتى وصلت إلى مناطق الشرق الأقصى وأسترالية عام 1972، وتوسعت على وجه الخصوص في أوربة. وفي عام 1976 دخلت خدمات البريد السريع الشرق الأوسط، وأمريكة اللاتينية ثم إلى إفريقية عام 1978.
كذلك كانت شركة البريد السريع DHL أول من أوصل خدمات البريد الجوي السريع إلى دول شرقي أوربة عام 1983 وافتتحت لها مكاتب للخدمة البريدية السريعة في أكثر من مطار. ووصلت خدماتها عام 1986 إلى الصين. وفي عام 1988 تأسست شبكة بريدية للشحن البحري، امتد نشاطها إلى دول شمالي أوربة عام 1992. وفي عام 1993 قررت الشركة تخصيص مبلغ 1.25 مليار دولار موزعة على مكاتبها في أنحاء العالم من أجل تطوير نظام الخدمة والأتمتة والاتصالات واستخدام تقانات المعلومات. وصار لها مكاتب توزيع إقليمية في مناطق مختلفة من العالم. ولها موقع على شبكة الإنترنت.
وثمة نوع آخر من الخدمات البريدية هي "خدمة الطرود المتحدة" ((UPS United Parcel Service وقد بدأت هذه الخدمة منذ أكثر من تسعين عاماً، وتحولت من خدمة توصيل طرود إقليمية إلى شركة عالمية. وتوزع الطرود والمستندات في وقت محدد عبر الولايات المتحدة وأكثر من 200 بلد ومقاطعة، ويتعامل معها ما لا يقل عن مليوني شخص.
أحمد شوقي آله رشي
الموضوعات ذات الصلة: |
الاتحاد البريدي العالمي ـ الاتحاد البريدي العربي ـ البريد (طوابع ـ) ـ البرق.
مراجع الاستزادة: |
ـ الاتحاد البريدي العربي، وثائق ومنشورات، الأمانة العامة القاهرة( 1966 و1980).
ـ الاتحاد البريدي العالمي، وثائق ومنشورات المكتب الدولي (برن 1956 و1970).
ـ المكتب الدولي للاتحاد البريدي العالمي: تاريخ، وثائق، دراسات (برن 1997.(
ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ ღ
رسالتنا للزوار الكرام : سجل عضويتك اليوم لتصلك رسائلنا لأخر مواضيع الأبحاث ورسائل الماجستير و الدكتورة عبر الايميل بشكل جميل.
♔ اَلَملَكهَ بَلَقَيــس♔- ♔ السمو الملكي ♔
- جائزه تسجيل للعام 10 اعوامجائزه الاعجاباتتاج 100 موضوعتاج المواضيعجائزه المواضيع امميزهعدد المشاركات بالمواضيع المميزهوسام التميزجائزه التميز
- عدد الرسائل : 3256
العمل/الترفيه : /لـآ شَي أوجَع منْ الحَنينْ ..~
الابراج :
الموقع : هوَ يشَبِه السّعادَةَ ؛ كلِ ماَ فكَرت فيَه ابتسَم !*
احترام القانون :
المزاج : ♡༽رفُُقُُآ بًًنِِبًًض قُُلََبًًيََ༼♡
نقاط : 56473
السٌّمعَة : 43
تاريخ التسجيل : 26/02/2008
تعاليق : الحب يزهر إذ التقينا بما يجمعنا لا بما يعجبنا !
منتـديات مكتـــوب الاستراتيجية للبحث العلمي MAKTOOB :: البــحـــــــث العـلـمــــــي :: رســـــائـل ماجستــــير و دكتــوراه البحــــث العلمــــــي و بـحـوث جـامعيـة جـاهــزة :: الموسوعة العلمية الشاملة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى